دبي المحترمة

04:30 صباحا
قراءة 4 دقائق

كنت في مصر في الآونة الأخيرة، وذهبت مع سائق سيارتي لتجديد رخصة السيارة، وكانت قد تراكمت على سيارتي المخالفات للقواعد المرورية، ومنها مضي ثلاث سنوات من دون تجديد رخصة القيادة .

وأخذ الروتين مأخذه من يد موظف لآخر، بشكل قد يكون غريباً على من لا يعيش في مصر، ولم يتعود على رؤية هذا الروتين . . وبالرغم من الروتين، وبالرغم من المخالفات التي كنت أتوقع أن أتحمل بسببها غرامات مغلظة . . لكن الجو كان مريحاً، ولم أشعر بالضيق بسبب عبارات المجاملة المليئة بالكلمة الطيبة من كل موظف تحولت اليه أوراق سيارتي .

دخلت على رئيس قسم المرور للتأشير على أوراق معاملة السيارة . . فلما رأى جواز سفري الإماراتي، قال لي: أنت إماراتي؟ قلت: نعم، قال: تفضل بالجلوس في مكتبي ودع سائق سيارتك ينهي المعاملة، ونادى على أحد مساعديه، وأمره بانهاء المعاملة بأسرع وقت ممكن، ورأيته يعامل المراجعين بلطف ومودة .

الموضوع، هو أن رئيس القسم هذا، سألني من أية إمارة أنا، فأخبرته بأنني إماراتي من دبي، قال: دبي مدينة محترمة وأنا أحبها، وأحب أن أزورها كلما سنحت لي فرصة، فشكرته على شعوره ومودته .

وما كدت أخرج من مكتب هذا المسؤول المصري الطيب، حتى تبادر إلى ذهني ما سمعته قبل قليل . . دبي مدينة محترمة، وسألت نفسي . . كيف تكون المدن والأماكن والمواضع، محترمة؟ . . وجاءني الجواب طبيعياً أنها تكون محترمة، بالمعاملة التي يلقاها الزائر لهذه المدن والأماكن والمواضع . . المعاملة التي لا تتخللها العنجهية والتعالي والنعرات الشوفينية . .

دبي، فعلاً، مدينة محترمة، والإمارات بالفعل بلد محترم، وهذا الاحترام يأتي، لأن هذا البلد فيه احترام الآخر، ولكيان الآخر، وعدم ازدراء الناس لأنهم من هذا العنصر أو ذاك أو من هذا البلد أو ذاك .

أينما نولي وجوهنا في مشارق الأرض ومغاربها، وإلى أي صوب نتجه في هذا العالم، نجد العمران المادي يغطي كل زاوية من الزوايا، نجد المباني الشاهقة، ونجد الطرق الفسيحة، ونجد البنى التحتية للانسان العصري، ولكن الشيء الجميل أن نجد مثل هذا العمران المادي مصاحباً بالعمران المعنوي والأخلاقي، ومصاحباً باحترام حقوق الانسان، حقه في أن يكون في مأمن من الاعتداء على نفسه وماله وعرضه، وحقه في أن يعطى الشعور والاحساس بأن مثل هذا الحق متوفر له، ويحميه القانون، وهذا القانون يساوي بينه وبين سائر الناس، ومن يمن الطالع أن إدارة الدولة في الإمارات تسعى سعياً مرضياً لتوفير مثل هذه الحماية ومثل هذا الاحساس، وتقول هذه الادارة للشوفينية والتعصب والأنانية، تنحي جانباً، فليس لكِ مكان وسط تجمعنا الحضاري المتمدين .

وإذا عدنا بالحديث عن مصر، فإن من يتعمق في تاريخ مصر الحضاري، وفي طبائع شعب مصر، ومن يقرأ عن هذا الشعب العريق، يلاحظ شيئاً غير عادي تنفرد به مصر بين الشعوب، يلاحظ المرء ميزة يتميز بها المصري عن غيره من الشعوب العربية، وشعوب كثيرة أخرى في الشرق الأوسط، وفي غيرها من البلاد، هذه الميزة، هي أن المصري من النادر أن يقول لك بلغة استعلائية، أنا مصري، وأنت لست كذلك، قد يتفوه بهذه العبارة، عبارة أنا مصري، ولكن حباً في بلده، وليس انتقاصاً من شأن أحد .

ولقد جاءت إلى مصر وتداعت عليها أمم، من فرس واغريق، ورومان وعرب، وشعوب خليطة من سلاجقة ومماليك وأكراد وأتراك، وأفرنجة . . ومن هذه الشعوب، كان المهاجر، وكان المعتدي، وكان المحتل، ودانت لهم مصر من أقصاها إلى أقصاها، ولكن كانت الغلبة في نهاية المطاف للمصريين . . وكان المصري هو المنتصر، الشخصية المصرية طغت على كل فرد من الجماعة التي أتت من الخارج مهاجرة أو غازية أوطالبة مأوى .

وهنا السؤال، كيف انتصرت مصر وكيف تمت الغلبة، وتم لها الانتصار؟ لقد تم لها ذلك، ليس بقوة العسكر المصري وليس بقوة الردع المصري، بل بقوة الشخصية المصرية الأصيلة التي استطاعت في كل وقت وعلى مر العصور، أن تجعل من هذا الغريب القادم إليها مصرياً قحاً، بشعوره واحساسه، يذوب هذا الغريب في البوتقة المصرية، ويصبح مثالاً للشخصية المصرية المتميزة، ويحب مصر ويتمنى أن تكون له وطناً .

وهنا أيضاً، نصل إلى خلاصة القول، إننا في الإمارات، إذا أردنا أن نخلق لأنفسنا الشخصية المثالية المتميزة التي ترتاح إليها النفوس، نفوس العالم كله، وتهفو اليها الأفئدة من كل مكان، ونجعل من بلدنا واحة يتربع الخير في جميع جوانبه، فعلينا أن نقلد الشخصية المصرية في جانبها الايجابي المتميز الذي أشرنا إليه، وهو الجانب الذي يعطي من يأتي إلى الإمارات الإحساس بأنه من أهل البلد، وأنه قدم إلى الإمارات ليحل سهلاً ويكون بين ظهراني أهله .

هذا هو الجانب الإيجابي، وهذا ما عليه أهل مصر، وهكذا ينبغي أن نكون عليه نحن في هذا البلد، في الإمارات، ومتى ما نفعل ذلك، فإننا نساهم مساهمة كبيرة وكثيرة ويساهم معنا الغير، القريب والبعيد، في أن نكون نحن المتفوقين، وفي نفس الوقت تكون الإمارات، محترمة، ويكون أهلها محترمين .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"