دستور.. أم صفر حل؟

04:34 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

ثلاث قضايا لا يمكن من دونها أن يكون لأي عملية سياسية مغزى حقيقي، تتعلّق الأولى بمصير المعتقلين والأسرى، والثانية قضية عودة اللاجئين، والثالثة هي إشراك المكون الكردي في الحل السياسي.
بعد ما يقارب عامين من صدور القرار الأممي 2254 المتعلق بالحل السياسي في سوريا، والذي أقرّ كتابة دستور جديد، أعلن مؤخراً أنطونيو جوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة، عن تشكيل اللجنة الدستورية، بعد أن توصلت الدول الثلاث الضامنة، روسيا وإيران وتركيا، إلى توافق في ما بينها على أسماء اللجنة، كما أعلن جوتيريس أن المبعوث الدولي إلى سوريا جير بيدرسون سيقوم خلال الأسابيع المقبلة بجمع أعضاء اللجنة الدستورية، لكن الأمين العام للأمم المتحدة لم يعلن عن أية إجراءات أو آليات تنفيذية أو معيارية حول عمل اللجنة، تاركاً الباب مفتوحاً على احتمالات عديدة وأسئلة كبرى حول مسار عمل اللجنة، خصوصاً من الناحية الزمنية.
وزير الخارجية السوري وليد المعلم، صرّح من نيويورك، على هامش أعمال الدورة الرابعة والسبعين للأمم المتحدة، بأن «لجنة مناقشة الدستور قائمة بقيادة وملكية سورية وأعضاؤها هم أصحاب القرار. أما الأمم المتحدة فتلعب دور الميسِّر لعملها فقط»، كما أعلن المعلم أن موقف سوريا من اللجنة سيكون مرتبطاً ب«وقف الأعمال العدوانية ضد سوريا»، وهذه التصريحات لا تبدو مستهجنة. فالوزير المعلم كان أطلق تصريحات استباقية منذ سنوات قبل بدء محادثات جنيف بأنه «سيغرق العالم بالتفاصيل».
تركيبة اللجنة الدستورية استبعدت مكوِّناً رئيسياً في الساحة السورية، وهو «مجلس سوريا الديمقراطية»، وضمناً المكوِّن الكردي الذي تولت قواته «قسد» مهمة قتال تنظيم «داعش» الإرهابي بدعم من أمريكا وقوات التحالف الدولي ضد الإرهاب، وتمكّنت من دحر التنظيم والقضاء عليه في آخر معاقله في الباغوز الواقعة في البوكمال، التابعة لمحافظة دير الزور، وقدمت «قسد» آلاف الضحايا من قواتها في قتال التنظيم.
تسيطر «قوات سوريا الديمقراطية» على حوالي 30% من الأراضي السورية شمال شرقي سوريا، كما تضع يدها على آبار النفط، إضافة إلى محصول القمح، وتضم عشرات آلاف المقاتلين من الأكراد والعرب والسريان، ولديها إدارة ذاتية تشرف على المناحي الخدمية والتعليمية والصحية في منطقة تضم قرابة أربعة ملايين نسمة، وتمنح رواتب منتظمة لأكثر من 60 ألف موظف.
إن استبعاد «قسد» من لجنة كتابة الدستور له دلالات عديدة، من بينها التوافق الروسي التركي على استبعاد المكوِّن الكردي، وهو مؤشر على أن التوافق الروسي الأمريكي لا يزال غائباً، لكن الدلالة الأخطر تتعلق بالنظام السوري الذي لا يزال يُخضع الصراع الداخلي لمبدأ الحل الصفري، وهو المبدأ الذي أسهم في تحويل المسألة السورية من ساحة السياسة إلى ساحة الحرب، وحوّل البلاد إلى ساحة لصراع الأمم، حيث أصرّ النظام خلال السنوات الماضية على عدم تقديم أية تنازلات لقوى المعارضة، وللفئات الاجتماعية المؤيدة للمعارضة، بما فيها القوى الكردية المتنوعة.
في الأيام القليلة الماضية أعلنت قوى سياسية ومدنية وشرائح سورية عديدة رفضها للجنة الدستورية، عبر بيانات وعرائض، أوضحت فيها أن اختصار المسألة السورية في قضية الدستور فيه إنكار لحقيقة وجوهر المسألة السورية، وأن المضي في هذا المسار وفقاً للمعطيات الراهنة، يعني إعادة تأهيل النظام ببنيته السياسية والأمنية، من دون إحداث أي تغيير جدي من شأنه أن يقود السوريين إلى دولة القانون والمواطنة.
لم تكن مشكلة السوريين خلال عقود من حكم البعث، في طبيعة الدستور السوري، فمن المعروف أن الاختلاف على الدستور يحدث في البلدان الديمقراطية، وليس في الأنظمة الشمولية، كما أن دستور عام 2012، يتضمن كثيراً من المواد التي تؤكد الحقوق الجماعية والفردية مثل حق التظاهر، لكن المواد الدستورية في دستوري 1973، و2012، لا تخضع جميعها للتطبيق، كما أنها لا تتضمن فصل السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتجعل كل الصلاحيات الكبرى في يد رئيس الدولة.
ثلاث قضايا رئيسية لا يمكن من دونها أن يكون لأي عملية سياسية مغزى حقيقي، تتعلّق الأولى بمصير المعتقلين والأسرى، وثانياً قضية عودة اللاجئين، والثالثة هي إشراك المكوِّن الكردي في الحل السياسي، وإلا فإن ما نحن ماضون نحوه في سوريا ليس كتابة دستور جديد، وإنما صفر حل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"