ديناميات «الحضرنة»

02:07 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. عبد العظيم محمود حنفي*

كان عام 2008، عاماً فاصلاً في الثورة الحضرية المعقدة والمستمرة لأنه لأول مرة في التاريخ يعيش أكثر من 50 % من سكان العالم في مناطق حضرية، وتقول الأمم المتحدة إن الحضرنة تنمو بسرعة أكبر من أي وقت مضي حيث يعيش 54 % من سكان العالم في المناطق الحضرية ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 66 % بحلول عام 2050. وطبقا لتقرير «آفاق التوسع الحضري العالمي» الصادر عن الأمم المتحدة يمكن أن يؤدي التوسع الحضري مقترناً بالنمو السكاني للعالم ككل إلى إضافة 2,5 مليار نسمة آخرين لقاطني المدن بحلول عام 2050. ويفيد التقرير بأن المدن الكبرى كان عددها 10 وتعداد سكانها 10 ملايين نسمة أو أكثر في عام 1990 فارتفع عددها اليوم إلى 28، مع توقع زيادة تصل إلى 41 بحلول عام 2030.
ونتجه الآن إلى «ما بعد المدن» وهي تجمعات تضم أكثر من 20 مليوناً من السكان، ويرى كثيرون أن بلوغ نسبة الحضر 54 % من مجموع السكان في العالم, يعتبر تطوراً إيجابياً. ويرون أن الانتقال من مناطق الريف حيث الزراعة منخفضة الإنتاجية، إلى المدن نتيجة طبيعية للتحديث والتصنيع في المجتمعات.حيث الصناعة والخدمات مرتفعة الإنتاجية. ويشير إلى كثير من أوجه الارتفاع في مستوى الحياة في الحضر, والتي تتراوح بين ارتفاع متوسط الدخل إلى تحسن الصحة. كما أن المدن تجذب منشآت الأعمال والوظائف، كما أن تركز الصناعات والخدمات يشجع بدوره على نمو الإنتاجية، كما تعمل المدن على احتضان وتفريغ الأفكار والتكنولوجيات التي تزيد من سرعة النمو الاقتصادي. وهناك آخرون أقل حماساً، فالنقاد لا يرون الحضرنة باعتبارها عملية طبيعية بل عملية تنشأ نتيجة تحيز السياسات الحكومية والاستثمار في المدن، وهو تحيز يدفع الأشخاص إلى الهجرة من الريف إلى المدن للبحث عن فرصة عمل. ويشيرون إلى الأثر الضار للحضرنة على البيئة ونوعية الحياة وبسبب آثار ازدحام المرور, ويركزون على التلوث البيئي. ونشرت دراسات حديثة عن أزمات مثل أزمة الرمال حيث يقول تقرير الأمم المتحدة: تمثل الرمال والحصي أكبر استخدام للمواد الخام على الأرض بعد المياه. ويرصد الباحثون أن معظم النمو في المناطق الحضرية يحدث في البلدان النامية. وتتم الحضرنة من خلال ثلاثة مسالك متمايزة، أولا ينشأ النمو الأشد بروزاً عن الهجرة من المناطق الريفية إلى الحضرية وتشهد على ذلك عملية الحضرنة الحديثة في الصين، والتي كانت الهجرة هي الدافع وراءها إلى حد كبير. وثانياً قد ينمو سكان الحضر من خلال الزيادة الطبيعية وتقدر الأمم المتحدة أن هذا مسؤول عن 60 % من النمو الحضري.
وثالثاً: الحضرنة قد تحدث بإعادة تصنيف المناطق الريفية على أنها حضرية نتيجة لنمو السكان. كما أن عملية الحضرنة لم تكن متساوية إذ يجذب بعض المدن أعداداً من المهاجرين أكبر مما يجذبه بعضها الآخر. وعلى الرغم من أن 84 % من سكان العالم في الحضر يعيشون في مدن صغيرة ومتوسطة الحجم، فإن الباقي من سكان الحضر يعيشون في مدن كبيرة أو مدن عملاقة ( تضم أكثر من 10 ملايين نسمة).
وعلى الرغم من الزيادة الكبيرة في عدد المدن العملاقة خلال الأربعين سنة الأخيرة، فإن عدد السكان المقيمين بها يقل بشكل طفيف عن 5 % من عدد سكان العالم وفق إحصائيات الأمم المتحدة. وقد تتضخم مشاكل الحضرنة في المدن العملاقة وخاصة إذا كانت الحضرنة سريعة. إذ أن توفير فرص العمل، والإسكان, والصرف الصحي، ومرافق النقل، والتعليم، والرعاية الصحية، مهمة معقدة بالنسبة للبلدان الغنية وهي بالطبع أكثر صعوبة بالنسبة للدول النامية التى تشهد الآن أكثر الزيادات حدة في عدد المدن العملاقة. كما أن هناك عدداً من العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تقوم على أساس الحضرنة، وعلى وجه الخصوص الهجرة من الريف إلى المدن، وتتضمن هذه هجرة الأفراد, والبحث عن وظيفة (أو وظيفة أعلى أجراً )، ونوعية أفضل للحياة من حيث الصحة والتعليم، وتنوعاً أكبر في خيارات التسلية وأساليب الحياة. وقد يتأثر المهاجرون بصور حياة الحضر التي تعرضها أجهزة الإعلام أو بنجاح الأقارب الذين سبق لهم الانتقال إلى المراكز الحضرية. كما ترتبط الحضرنة بالتغيرات على المستوى القومي, مثل تركز الحكومة والاستثمار الأجنبي في المناطق الحضرية، وكذلك بالعمليات الاجتماعية مثل انخفاض معدل الخصوبة نظراً لأن رعاية الأطفال في أثناء عمل الوالدين أمر أكثر تكلفة، فضلاً عن ارتفاع تكلفة السكن الحضري، إلى جانب أن الأطفال تقل قيمتهم في الإنتاج العائلي في الحضر، مع سهولة الحصول على وسائل تنظيم الأسرة، وخدمات الصحة الإنجابية بدرجة أكبر في المدن. والأسرة ذات الأطفال الأقل في وضع أفضل لتركيز مواردها على توفير تربية أفضل لكل طفل، وتقوية الاحتمالات الاقتصادية في حياة الطفل فيما بعد.

* باحث أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"