رأب الصدع التكنولوجي

01:39 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبد العظيم محمود حنفي

إن التقدم التكنولوجي - التحسينات في الطرق التي تنتج بها السلع والخدمات تسوق وتطرح في الأسواق - هو لب التقدم والتطور البشري، فقد ساعد على تقليل نسبة الذين يعيشون في فقر مدقع في البلدان النامية من 39% في عام 1990 إلى 18% في عام 2004، ونتيجة لذلك ضاقت الفجوة التكنولوجية بين البلدان الغنية والفقيرة، على الرغم من أنها لا تزال شاسعة، إذ تستخدم البلدان منخفضة الدخل ربع ما تستخدمه البلدان مرتفعة الدخل من التكنولوجيا، وهناك ثلاث استراتيجيات للحصول على التكنولوجيا اتبعتها الدول لمحاولة رأب الصدع التكنولوجي، الاستراتيجية الأولى، استيراد المنتجات التي تجسد قمة التكنولوجيا الأجنبية من الخارج، والاستراتيجية الثانية، اجتذاب الاستثمارات الأجنبية من الخارج، والاستراتيجية الثالثة، إرسال مواطنيها إلى الخارج للتدريب على أمل العودة بما تعلموا.
الاستراتيجية الرابعة: سرقة التكنولوجيا ولم نورد تلك الاستراتيجية إلا للإشارة إلى أن القرصنة على الملكية الفكرية مشكلة شائعة (تتهم الولايات المتحدة الصين بسرقة حقوق الملكية الفكرية الخاصة بمنتجات أمريكية) ولا تزال القضية على قمة أجندات التجارة للبلدان الغنية التي تسعى لوقفها.
وقد انتهج العديد من البلدان الآسيوية الاستراتيجية الأولى أي استيراد التكنولوجيا المجسدة بشكل أساسي في التجهيزات الرأسمالية واستخدامها مع أيد عاملة محلية منخفضة الأجور لتصنيع منتجات مخصصة للتصدير إلى أسواق أخرى، لقد نجح النمو المعتمد على التصدير أساسا لأن الولايات المتحدة كانت راغبة في أن تكون الملجأ الاستهلاكي الأخير على مستوى العالم بالإضافة إلى خفض معدلات الرسوم الجمركية وهو ما سمح للبلدان الأفقر أن تتقدم من خلال الصادرات.
على أن العديد من البلدان النامية أبدت مقاومة أكبر لتبني الاستراتيجية الثانية المتعلقة باستيراد الأفكار، والمتمثلة في الترحيب بالاستثمارات الأجنبية المباشرة، وذلك في الأساس لأسباب تتعلق بالكرامة الوطنية، لكن الصين كانت من الاستثناءات الملحوظة بهذا الصدد، فقد تنافست الحكومات المحلية والحكومة الوطنية فيها على اجتذاب استثمارات من شركات أجنبية كانت في العادة على شكل مشاريع مشتركة تستتبع نقل التكنولوجيا الأجنبية إلى الصين، وتعد الصين وأيرلندا من قصص النجاح الكبرى في مجال الاستثمارات الأجنبية المباشرة وأصبحتا مقصداً مهماً لتدفق أموال الشركات الأجنبية متعددة الجنسيات.
وسعت بعض الدول ولا تزال إلى تطبيق الاستراتيجية الثالثة، حيث سمحت لمواطنيها بل وشجعتهم على السفر إلى بلدان الاقتصادات المتقدمة والتعلم في جامعاتها، ثم العودة إلى الوطن بمهارات العالم الأول، فقد استخدمت اليابان وكوريا الجنوبية ذلك النهج بنجاح كبير وتبعتهما على الدرب نفسه الهند والصين، على أن المغتربين الهنود كانوا الأغرب سلوكاً، لأن العديد منهم بقوا في الخارج خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية حيث أسسوا شركات تكنولوجيا عالية أو عملوا فيها، فبين عامي 1980 و2000 بلغت نسبة الشركات الجديدة الناجحة التي أسسها المهاجرون الهنود والصينيون 30% من تلك الشركات في ولاية كاليفورنيا وحدها، وقد نجح رهان رأس المال البشري في الهند وأخذ يؤتي ثماره مع عودة العديد منهم إلى الوطن لبعض الوقت أو بشكل نهائي للمشاركة في الانطلاقة الهائلة لذلك البلد، لقد أصبحت سياسة الهجرة الأمريكية أكثر تقييدا منذ هجمات 11 سبتمبر/‏أيلول 2001، وزادت مع وصول إدارة ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، ولكن ذلك لم يمنع البلدان النامية من إرسال أفضل وألمع عقولها إلى الخارج.
ونتيجة للتعرض المتزايد للتكنولوجيا الأجنبية، تنتشر حاليا التكنولوجيا الأحدث، مثل الهواتف الخلوية والحواسيب والإنترنت، بسرعة أكبر بكثير، ففي أوائل العام الماضي، استغرقت التكنولوجيا الجديدة أكثر من 50 سنة للوصول إلى معظم البلدان؛ وهي تستغرق في الوقت الحالي 16 سنة، غير أن التكنولوجيا تميل إلى الانتشار ببطء داخل البلدان لأن الكثير من البلدان النامية يفتقر إلى المهارات التقنية اللازمة للتطلع في التكنولوجيات الجديدة أو حتى الأقدم، ويعني بطء الانتشار داخل البلدان أنه على الرغم من أن مدناً فرادى قد تكون رائدة في مجال التكنولوجيا، فإن استخدام التكنولوجيا في البلد ككل قد يكون منخفضا، ورغم أن السياسات الاقتصادية الكلية والتعليمية وانتشار التكنولوجيات التمكينية قد ارتقت بانتشار التكنولوجيا في البلدان النامية، فقد كان التقدم بطيئاً في القدرة على استيعاب الأفكار ولا تزال التقنيات الجديدة ضعيفة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"