رهان الاستقرار في المغرب العربي

02:36 صباحا
قراءة 3 دقائق
الحسين الزاوي

يشكل رهان الاستقرار في دول المغرب العربي خلال سنة 2019، العنوان الأبرز لأغلب المتابعين لتطور الأحداث في هذه المنطقة الشاسعة من الوطن العربي، وبخاصة عندما نأخذ في الحسبان ضخامة التحديات التي تواجهها هذه المنطقة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويزداد هذا الرهان أهمية وخطورة عندما نستحضر الأبعاد الجيوسياسية للمنطقة البالغة الأهمية بالنسبة لحسابات السياسة الدولية من منطلق أن المغرب العربي، يمثل البوابة الجنوبية للقارة العجوز التي تواجه بدورها تحولات غير مسبوقة على جميع المستويات، وتعرف بموازاة ذلك تحركات شعبية غير مسبوقة من أجل مواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية التي ارتفعت معدلاتها بشكل خطير خلال السنوات الماضية.
يأتي الحديث الإقليمي والدولي عن موضوع الاستقرار بدول المغرب الكبير في فترة بالغة الدقة والحساسية بالنسبة للأغلبية الساحقة للنخب السياسية في المنطقة؛ حيث تشهد تونس، تصعيداً غير مألوف للتوترات الاجتماعية بشكل بات يهدد التوازنات السياسية الهشة في البلاد، وذلك قبل أشهر قليلة من إجراء اقتراعين مهمين ومصيريين يتمثلان في الانتخابات البرلمانية والرئاسية اللذين من المفترض تنظيمها خلال الثلث الأخير من السنة الحالية، في صورة ما إذا صارت الأمور في الاتجاه الصحيح ولم تؤد المواجهات السياسية بين الأحزاب الرئيسة المشكلة للمشهد التونسي إلى مزيد من التصعيد وإلى أزمة سياسية، يمكنها أن تتسبب بتأجيل مواعيد الانتخابات إلى أجل غير مسمى.
وقد عاشت تونس، خلال الفترة الأخيرة، استعراضاً كبيراً للقوة ما بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل الذي يمثل الأغلبية الساحقة من الطبقة العاملة خاصة في القطاع العام، وأبرزت هذه المواجهة أن التمثيل النقابي للعمال في طريقه للتحول إلى أكبر تنظيم سياسي معارض في البلاد، لاسيما بعد نجاحه في حشد عدد كبير من العمال الغاضبين من تدهور مستوى المعيشة وانخفاض القدرة الشرائية بالنسبة للأغلبية الساحقة منهم، الأمر الذي يخلط بشكل واضح أوراق التشكيلات السياسية التقليدية وعلى رأسهما حركة النهضة ونداء تونس، اللتان أدى تحالفهما إلى تحميلهما لجزء كبير من تبعات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة التي تعرفها البلاد.
أما بالنسبة للجزائر، فإن التحليلات تجمع على أن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة وصعبة، بعد أن باءت كل محاولات تأجيل الانتخابات الرئاسية بالفشل، مع إعلان الرئاسة الجزائرية، أن انتخابات الرئاسة ستجرى في موعدها القانوني بتاريخ 18 إبريل/‏نيسان المقبل. وسيظل بالتالي التشويق والترقب قائمين بالنسبة لكل المتابعين للشأن الجزائري في انتظار حسم مؤسسة الرئاسة في البلاد لخياراتها بشأن ترشح الرئيس من عدمه لولاية خامسة.
وبصرف النظر عن السيناريوهات والفرضيات المرتبطة بمسألة ترشح الرئيس بوتفليقة، فإن الاستحقاق الرئاسي يكتسي أهمية بالغة بالنسبة لرهان الاستقرار في الجزائر التي تواجه تحديات صعبة على جميع المستويات، وبخاصة الاقتصادية منها بسبب تراجع عائدات النفط، والسياسية نتيجة الاحتقان الداخلي بين المعارضة والموالاة، وذلك فضلاً عن المستوى الأمني الذي يمثل التحدي الأكبر للقوات المسلحة الجزائرية نتيجة الانفلات الأمني في ليبيا ومنطقة الساحل، ومحاولة الجماعات الإرهابية التمركز من جديد على مستوى الحدود الفاصلة بين تونس والجزائر.
وعليه فإن محاولات بعض الأطراف الداخلية الضغط من أجل فرض تغيير باسم المؤسسة العسكرية جعل هذه الأخيرة تتدخل بقوة، محذرة إطارات سابقة في الجيش من التحدث باسمها ومن التخلي عن واجب التحفظ الذي يمليه عليها القانون الجزائري.
وغير بعيد عن الجزائر نستطيع أن نلاحظ أن المشهد الليبي، مازال يراوح مكانه بسبب عجز النخب السياسية والعسكرية في هذا البلد، عن التوافق بشأن حل سياسي يحقن دماء الليبيين ويعيد لوطنهم الأمن والاستقرار المفقودين، وبخاصة أن هناك تقارير دولية كثيرة تحذر من تحول ليبيا إلى أكبر قاعدة لتنظيم «داعش» الإرهابي الذي يسعى إلى لملمة شتاته بعد اندحار مقاتليه في العراق وسوريا. وفي سياق هذا الوضع المغاربي المضطرب، تظل الجمهورية الإسلامية الموريتانية والمملكة المغربية، تتمتعان باستقرار نسبي، بالرغم من المشاكل التي تواجهانها على مستوى الجبهة الاجتماعية، بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية التي تعرفها مختلف دول العالم.
ويمكن القول في الأخير إن الوطن العربي في حاجة ماسة إلى دعم الاستقرار في دول المغرب العربي، من أجل تلافي اتساع رقعة الفوضى العارمة التي شهدتها دول المشرق وتحديداً سوريا والعراق، والتي أثرت بشكل كبير في مناخ الاستقرار في المنطقة العربية، وألحقت ضرراً بالغاً بالأمن القومي العربي، وقلصت من هامش قدرته على مواجهة التدخلات المتكررة لكل من «إسرائيل» وإيران وتركيا في الشؤون الداخلية العربية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"