سؤال المواطنة في الميثاق البحريني

05:03 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. إدريس لكريني

قبل أيام خصّص موسم أصيلة الثقافي الدولي الأربعون بالتعاون مع مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة، ضمن جامعة المعتمد ابن عباد الصيفية في دورتها الثالثة والثلاثين ندوة حول: «المواطنة في الميثاق الوطني البحريني»، شارك فيها عدد من المثقفين ورجالات الدولة والباحثين الأكاديميين من المغرب والبحرين، وهي المناسبة التي قدّمت فيها ورقة في الموضوع، سأحاول في هذا المقال سرد بعض عناصرها.
إن المواطنة ليست مجرد اكتساب الفرد لجنسية ما، بما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وإنما هي أيضاً شعوره بالانتماء إلى فضاء مجتمعي يتقاسم معه العديد من المبادئ والأفكار والأهداف؛ بصورة تحفظ كرامته، وتجعل الولاء الوطني للفرد يسمو فوق كل الولاءات القبلية والعرقية والمذهبية الضيقة.
إنها أساس كل ديمقراطية. وتشكّل الممارسة الديمقراطية واعتماد العدالة بأبعادها السياسية والاجتماعية والثقافية، المدخل الأنجع لتدبير التنوع والاختلاف بصورة بناءة وسليمة، بما يضمن شروط التعايش ووحدة الدولة وتحصينها ضد أية مؤامرات مهما كان مصدرها.
استطاعت دولة البحرين بجغرافيتها الصغيرة، وبتنوعها المجتمعي، أن تؤسس لتجربة سياسية واعدة في المنطقة، على طريق بناء دولة حديثة ومتطورة، وهي التجربة التي بدت معالمها الإصلاحية منذ بداية القرن العشرين، مع بروز حركات سياسية واجتماعية، وتعززت هذه الإصلاحات في العقود الأخيرة بمجموعة من المبادرات، كما هو الشأن بالنسبة للميثاق الوطني، الذي يشكل محطّة تحول فاصلة في التاريخ الحديث للبحرين.
ينطوي تسليط الضوء على هذه التجربة بخلاصاتها، خلال هذه المرحلة الصعبة التي تمر فيها العديد من دول المنطقة العربية بأوضاع لا تخلو من توتر وصراع وأزمات مختلفة (العراق، وسوريا، واليمن، وليبيا..)، على أهمية كبيرة تحيل إلى قدر من الأمل في مستقبل المنطقة.
منذ أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وفي الوقت الذي كانت فيه مختلف بلدان العالم في أوربا الشرقية، وأمريكا اللاتينية، وإفريقيا، تشهد تحولات سياسية واقتصادية، أطلقت دولة البحرين مجموعة من المبادرات السياسية، تنبئ بنوع من الانفتاح وبإصلاحات مهمة في الأفق.
تميزت هذه الفترة باتخاذ العديد من الخطوات التي هدفت في مجملها إلى إنهاء الأزمة مع المعارضة، وكان من مظاهرها الإفراج عن المعتقلين السياسيين، والسماح بعودة المبعدين والمنفيين، إلى البلاد، وتعيين عدد من المستشارين في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، إضافة إلى تغيير بعض رموز أجهزة الأمن، ممن كانت تتهمهم دوائر المعارضة البحرينية بممارسة أعمال قمع ضد المواطنين، وإلغاء حالة الطوارئ المفروضة، وتم إلغاء محاكم وقانون أمن الدولة، وإصدار الميثاق الوطني، الذي تم الاستفتاء عليه في فبراير 2001، وهو ما انعكس بشكل إيجابي ملحوظ على مختلف المجالات والقطاعات داخل الدولة والمجتمع.
اعتُبر ميثاق العمل الوطني وثيقة عمل مستقبلية للبلاد، تضمنت مجموعة من المبادئ والتصورات، وقد جرى عرضها على استفتاء شعبي في 14 فبراير 2001، ولقيت تجاوباً كبيراً وتأييداً واسعاً من لدن الشعب البحريني، الذي صوت لصالحها بكثافة وصلت إلى نسبة 98.4 بالمئة.
جاء الميثاق حافلاً بمجموعة من المبادئ والضوابط التي تشكل في تناسقها وتناغمها، الفلسفة السياسية التي ستؤطر الدولة والمجتمع في البحرين فيما بعد، حيث أشار إلى السياق التاريخي لشخصية الدولة، وإلى المقومات الأساسية للمجتمع، وطبيعة نظام الحكم المستقبلي، وسلط الضوء على الحياة النيابية ومجالات اشتغالها.
كما تضمّن مجموعة من المبادئ العامة التي تضع الأساس لبناء مواطنة منفتحة، في إطار تدبير بنّاء للتنوع المجتمعي، عبر تحويله إلى فرصة تدعم الوحدة، فقد سعى إلى دعم الحريات الشخصية والمساواة بين المواطنين، وكفالة وضمان الحقوق الأساسية، مثل حرية المعتقد، وحرية التعبير والنشر، وحق العمل والمشاركة في الشؤون العامة رجالاً ونساء، واعتبار الشعب هو مصدر السلطات، مع تأكيد مبدأ الفصل بين السلطات، وسيادة القانون واستقلال القضاء.
وأمام الالتباس الحاصل نتيجة لصعوبة التمييز بين الوثيقتين (الميثاق والدستور)، أضحى تفعيل المبادئ التي ورد ذكرها في هذا الميثاق، بحاجة إلى إجراء تعديلات على الدستور القائم، ليتلاءم مع الأهداف الكبرى التي تضمنها الميثاق، والتي ستمكن البحرين من مواصلة مسيرتها، في إطار تحديث مؤسسات الدولة وسلطاتها الدستورية.
وهكذا بادرت السلطات في البحرين إلى ترجمة العديد من المبادئ الواردة في ميثاق العمل الوطني، إلى بنود دستورية.
وقد صدر الدستور المعدّل لمملكة البحرين في 14 فبراير 2002؛ وتضمّن مجموعة من التعديلات التي انصبت في مجملها على مسألتين أساسيتين هما: النظام الملكي ونظام المجلسين.
كما جاء بعدد من المقتضيات التي تنحو باتجاه تعميق المسار الديمقراطي، وتوسع من هامش الحقوق والحريات، وإعطاء الشريعة الإسلامية نصيباً من التطبيق أكثر مما كان عليه الأمر قبل التعديل، سواء على مستوى التشريع أو صيانة التراث الإسلامي، ورعاية التربية الدينية في مختلف مراحل التعليم وأنواعه.
وبعد مرور زهاء عشر سنوات على صدور الميثاق، شكّل حراك 2011 بأحداثه التي اعتبرها البعض انقلاباً على مسار الإصلاح ومشاريعه، مِحكاً وفرصة للتقييم والوقوف على الإشكالات والتحديات، حيث تم التعامل مع المرحلة بقدر كبير من الاتزان والهدوء، مما سمح بتحويل الأزمة إلى فرصة، عبر فتح النقاش والحوار بين مختلف الفرقاء، ما اعتبره الكثير من المراقبين والباحثين عملاً متعقّلاً وهادئاً فوّت الفرص على بعض القوى الخارجية، التي كانت تراهن على تكريس الانقسام والطائفية بالبلاد.
ويبدو أن الضمانات الإصلاحية التي راكمتها البحرين، شكلت حصناً أمام كل الهزات التي واجهت البلاد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"