سحر ترامب ينقلب عليه

02:16 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

في السياسة كما في الحرب، كل الأسلحة تكون متاحة، والسلاح الذي يحقق النصر يستخدمه المتحاربون مهما كان الثمن. دعك من القيود والضوابط الأخلاقية التي لا يُعيرها أحد أدنى اهتمام في غمار المعارك الضارية. والحياة السياسية الأمريكية كانت وما زالت تمثل نموذجاً حياً يجسد هذه الحقيقة. المثال الأحدث يقدمه الرئيس دونالد ترامب، الذي لم يتردد في الإدلاء بتصريحات عنصرية فجة ضد أربعة من عضوات مجلس النواب من أصول مهاجرة، عندما وجد أن ذلك يخدم مصلحته السياسية ويدعم فرص فوزه في انتخابات 2020.
لا يكترث ترامب بالانتقادات التي وجهت إليه، فوفقاً لحساباته السياسية، فإن المكاسب التي سيجنيها من تلك المواقف ستكون أكبر من الخسائر التي سيُمنى بها. ولأنه تاجر قديم، فقد حسم اختياره سريعاً.
للوهلة الأولى تبدو حسابات ترامب صحيحة. فتفجير قضية المهاجرين، والأمن، وفرص العمل، تضمن التفاف الحزب الجمهوري حوله، وتدعيم موقفه وسط قاعدته الانتخابية التقليدية، وتضع الديمقراطيين في موقع الدفاع. كما أنها السلاح السحري الذي استخدمه ونجح بفضله في انتخابات 2016، فلماذا لا يعاود استخدامه الآن؟.
كل هذا صحيح، غير أن الأمور قد لا تسير على النحو الذي يتخيله. وقد نشرت مجلة نيشن الأمريكية، تحليلاً مطولاً فنّدت فيه أوجه القصور في استراتيجية ترامب الانتخابية القائمة على إثارة قضية العنصرية كقضية مركزية في حملته، باعتبارها ورقة رابحة تضمن فوزه. يتوقع التحليل أن ينقلب السحر على الساحر، فما يعتبره ترامب مفيداً قياساً على السابق، قد يكون مدمراً مستقبلاً.
لشرح وجهة نظرها، عرضت المجلة ست نقاط أو مبررات أساسية، أولها أن فوز ترامب في 2016 لم يكن ساحقاً؛ بل باهت، حيث خسر في الاقتراع الشعبي وفاز في المجمع الانتخابي بهامش لا يتجاوز 80 ألف صوت تقريباً في ثلاث ولايات فقط. وبالتالي من الصعب القول بوجود عامل حاسم في الفوز مثل العنصرية أو غيرها.
ثانياً: في انتخابات التجديد للكونجرس العام الماضي، لعب ترامب والجمهوريون على وتر التحريض مرة أخرى وخسروا مجلس النواب؛ أي أن هذه الورقة فقدت فاعليتها.
ثالثاً: إثارة خوف الأمريكيين من الأجانب قد تساعد في تعزيز موقفه بين الجمهوريين. وقد ارتفعت شعبيته بالفعل بينهم بعد تصريحاته العنصرية بنسبة 5% لتصل إلى 72%، وفقاً لاستطلاع أجرته وكالة «رويترز»، ولكن في المقابل هبطت شعبيته بين المستقلين بنسبة 10% لتصل إلى 30%.
رابعاً: حملة الاستقطاب الحزبي الحادة التي يقودها قد تشعل منافسة انتخابية شرسة بين الحزبين، إلا أنه ليس من الضروري أن تكون في مصلحة الجمهوريين. والحالة الوحيدة التي ستكون مفيدة لهم، هي أن يصبح المجمع الانتخابي (الذي ينتخب الرئيس) أكثر عنصرية، وهذا موضع شك لأسباب ديموغرافية، حيث تتآكل الأغلبية البيضاء تدريجياً داخله، فضلاً عن حالة الاشمئزاز العام من تصريحات وسياسات ترامب، ونمط حكمه على حد قول المجلة.
خامساً: تصريحات ترامب قد تدفع الأمريكيين إلى تبني مواقف عكسية والانقلاب على قضايا كانوا يؤيدونها من قبل. وهذا التوجه يؤكده استطلاع لمركز «بيو» الشهير، أوضح فيه أن نسبة الأمريكيين الذين يؤيدون استقبال أعداد أكثر من المهاجرين، أصبحت للمرة الأولى أكبر من نسبة المطالبين باستقبال أعداد أقل منهم.
سادساً: رصدت دراسة مهمة أجرتها جامعة بنسلفانيا هذا العام، تراجع توجهات البيض المتحيزة ضد السود والمهاجرين من أمريكا الجنوبية، مقارنة بما كان عليه موقفهم قبل انتخابات 2016. وأوضحت الدراسة أن تصريحات ترامب المثيرة للجدل استفزت قطاعاً كبيراً من الأمريكيين بمن فيهم الجمهوريون ودفعتهم لتغيير مواقفهم السابقة. وتخلص الدراسة إلى القول إن ترامب الذي تنزف شعبيته بشدة، جعل لمواقفه سمعة غير جيدة.
أخيراً وكما تقول المجلة، فإنه إذا كانت هناك فائدة واحدة للحملة التي يقودها ترامب وتصريحاته، فهي أنها حرمته من كثير من مؤيديه السابقين، ووحّدت صفوف الديمقراطيين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"