"سلام " "إسرائيلي" للبيع

04:24 صباحا
قراءة 3 دقائق

ادت ممارسات الدول والقوى الكبرى في المجتمع الدولي، إضافة الى الممارسات الإسرائيلية، اضافة الى ممارسات الأنظمة العربية في المسألة الفلسطينية، الى إفراغ مشروع السلام من محتواه التاريخي، الذي يفترض به التوجه الى ايجاد حل إنساني شامل وعادل للجريمة الأساسية التي وقعت في العام ،1948 فكانت البداية الحقيقية للمأساة الفلسطينية، وأصبحنا نجد أنفسنا بقوة الأمر الواقع أمام مشروع آخر للسلام لا يتجاوز حد التسليم باحتلال إسرائيل لفلسطين التاريخية بكاملها، والبحث بعد ذلك عن رقعة لا تتجاوز خمس فلسطين التاريخية هذه، ليقام عليها كيان يحل المشاكل الإنسانية اليومية للفلسطينيين، يحمل في الشكل اسم الدولة، لكنه يفتقر في المضمون الى كل مقومات الدولة.

لكننا سنجد حتى لو سلمنا بهذا المشروع المشوه للسلام، وغير الصالح أبداً لتقديم حل للجريمة الحقيقية التي بدأ ارتكابها منذ العام ،1948 فإن إسرائيل، مدعومة بتواطؤ الدول الأساسية في المجتمع الدولي، وبتخاذل وتراجع الأنظمة العربية الرسمية، ما زالت تمارس إزاءه عملية الدجل الطويل النفس، الذي يعمل منذ عقدين من الزمن على الأقل، على إحراق كل فرص تقدم هذا السلام المزعوم، فرصة وراء فرصة. وقد تطورت هذه الهواية الإسرائيلية، لشدة نجاحها واستمرارها، الى التجرؤ على إحراق وسطاء السلام المشوه الدوليين، وسيطاً وراء وسيط.

وهكذا، بدأت إسرائيل بإحراق مشروع المفاوضات من أجل السلام المزعوم، ثم تحولت الى إحراق الوساطة الدولية التركية.

بعد ذلك، جاء العهد الجديد للإدارة الأمريكية، مع إعلان الرئيس الجديد أوباما، عن عزم شديد لإنهاء المسألة الفلسطينية وفرض السلام بأسرع وقت ممكن.

لكن المشروع بدأ فاشلاً منذ البداية، بعد ان اكتشفنا أن أسسه الأمريكية، لا تتعدى سقف تجميد الاستيطان في الأراضي المحتلة، دون ذكر كلمة واحدة في البيانات الأمريكية، عن أن أرض فلسطين الشرقية على الأقل (المسماة الضفة الغربية لنهر الاردن) تقع تحت احتلال إسرائيل حسب القانون الدولي، منذ العام 1967.

لكن لم يكن ذلك المظهر الوحيد للفشل، فإذا بإسرائيل، على لسان رئيس وزرائها الجديد نتنياهو، تجاهر برفضها الواضح للرغبة الأمريكية بتجميد الاستيطان، حتى لمهلة محدودة بالأشهر، وتفرض ذلك (يا للعجب) على الدولة العظمى الوحيدة في النظام الدولي.

طبعاً كانت بعض الأنظمة العربية، تحلم بقيام ضغط أمريكي شديد يفرض على الدولة الإسرائيلية الصغيرة، إرادة الدولة العظمى، لكن الذي حدث أن الإدارة الأمريكية، قد بلعت لسانها على كل المستويات العليا والوسطى والدنيا، وكانت الكلمة النهائية في الموضوع لأقصى اليمين المتطرف في الحركة الصهيونية.

وهكذا، أحرقت إسرائيل بتشددها، الوسيط الأمريكي، بعد أن نجحت في إحراق الوسيط التركي.

لم تنتظر إسرائيل طويلاً بعد هذا النجاح المذهل، في احراق وسطاء السلام، بل تحول نتنياهو فورا من واشنطن الى باريس. واذا بالرئيس الفرنسي، المتعاطف مع إسرائيل، يحلم هو الآخر بلعب دور الوسيط، الذي اكتشفنا بالممارسة أنه ليس اكثر من دور ممالأة إسرائيل في مشروعها لتشويه السلام وإفراغه من محتواه التاريخي العادل والشامل.

حتى الرئيس الفلسطيني، المتعاون الى أقصى حد ممكن مع القيادة الإسرائيلية، والحريص على تجنب كل ما من شأنه إثارة غضبها، اعتبرته إسرائيل خارجاً عن الخط السياسي المتبع منذ ستة عشر عاما (اي منذ تطبيق اتفاقية اوسلو)، عندما أشار في تنويه لفظي لا أكثر، الى اعتراضه على مواصلة المفاوضات، اذا لم يبدأ الأمر بتجميد الاستيطان.

وعندما عبر ابو مازن عن ضيق صدره بهذه المماطلات الإسرائيلية، ما جعله يفكر بترك منصبه، سارعت القيادة الإسرائيلية الى تشديد مطالبة واشنطن، بعدم السماح بتغيير محمود عباس.

لقد اصبح المطلوب إسرائيلياً واضحاً وضوح الشمس: بقاء كل شيء على ما هو عليه الآن محلياً وعربياً ودولياً، الى حين استكمال إسرائيل تهويد الضفة الغربية والقدس بنسبة مائة في المائة، وبعد ذلك فقط، يعاد فتح البازار الإسرائيلي مجدداً تحت عنوان سلام للبيع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"