سنتان على الأزمة السورية . . الكارثة

04:21 صباحا
قراءة 4 دقائق

سنتان مضتا على الأزمة السورية، من دون أن تلوح في الأفق سوى علامات باهتة على التقدم نحو حل سياسي . حصيلة الأزمة دمار واسع طال مختلف المرافق والمنشآت والموارد بصورة لم يشهد لها هذا البلد مثيلاً في تاريخه القريب .

الضحايا بعشرات الآلاف، النسبة الأكبر منهم بين المدنيين، علاوة على أعداد مماثلة إن لم تكن أكبر في المصابين والجرحى والمفقودين والمعتقلين . النازحون إلى دول الجوار فاقت أعدادهم المليون نسمة، موزعين بين لبنان وتركيا والأردن .

برامج الإغاثة قاصرة، ويزيد في قصورها أن تدفق اللاجئين يستمر بمعدل حول 1500 نازح يومياً، خصوصاً إلى الأردن ولبنان بعدما أغلقت تركيا حدودها أمام هؤلاء . مختصون في الأمم المتحدة يتوقعون وصول العدد إلى أربعة ملايين نازح في حال استمرت الأزمة الطاحنة .

إنها كارثة تعادل زلزالاً بدرجة سبعة على مقياس ريختر يصيب مدناً آهلة بملايين السكان . هناك إلى ذلك النازحون داخل سوريا الذين فقدوا مساكنهم وموارد رزقهم .

وأياً كانت النتائج التي ستؤول إليها هذه الحرب الطاحنة، فإن عموم السوريين هم الخاسرون الذين سينوؤون بكلفة إعمار ما دمرته هذه الحرب، وهي كلفة باهظة جداً لا تقل حتى تاريخه وفق مصادر متطابقة عن 25 مليار دولار، والأسوأ منها ما أصاب النسيج الاجتماعي الطائفي والمناطقي والعائلي من تهتك نتيجة الاستقطاب الحاد والانغماس في مواجهات مسلحة . تحدث كثيرون بينهم المبعوث العربي الأممي الأخضر الإبراهيمي عن صوملة يتجه اليها الوضع . التفاعلات السلبية قائمة على قدم وساق، فالعدد الهائل والمتزايد من الضحايا، وافتقاد موارد الرزق والحرمان من المأوى ومن الأمن الفردي والعائلي، تنذر بزج أعداد جديدة في المواجهات المفتوحة، لتتضاعف الخسائر وتزداد التداعيات السلبية تفاقماً على كل صعيد .

هناك تدخلات وإمدادات تسند طرفي النزاع مما تفيض بتفاصيله تقارير بغير حصر صادرة من شتى العواصم الإقليمية والدولية، لكن سواد المنغمسين في النزاع هم من السوريين، وإذا كانت هذه هي طريقتهم في التعبير عن التعلق بالوطن والأرض والشعب فكيف تكون الكراهية؟ وكيف اتُفق على أن الخسائر والأضرار في مواجهات السنتين، تفوق أضعاف ما خسرته سوريا والسوريون على أيدي الاستعمار والاحتلال الأجنبي: العثماني والفرنسي والصهيوني في المائة عام الأخيرة؟ ليس هناك من جواب عن هذا السؤال سوى الاستمرار في المواجهة بنتائجها اليومية الكارثية التي تتحدث عنها وسائل الإعلام .

والقاعدة الكلاسيكية في النزاعات، أنها تنتهي دائماً إلى الجلوس إلى مائدة التفاوض، يجري التنكر لها، وتفاديها وإرجاؤها إلى أطول أمد ممكن، وللأسف الشديد فإن النزاعات الأهلية خلافاً للنزاعات الحدودية بين الدول، فإنها قلما تتوقف بغير جهد خارجي، والنزاع في سوريا وبعيداً عن أي تمويه بات نزاعاً أهلياً منذ عام على الأقل، بدلالة الأعداد الهائلة من الضحايا المدنيين والاستهداف الدائم لمرافق مدنية من مساكن وأحياء وأسواق ومزارع ومشاف ودور عبادة وسواها، والأعداد الأكبر من النازحين، إضافة إلى استهداف المرافق والمواقع العسكرية وشبه العسكرية .

ومن أسف أن ما يصدر من مواقف عن التوجه إلى الحوار، لا يعدو أن يكون تمويهاً لإرادة الاستمرار في النزاع . الطرفان الدوليان: أمريكا وروسيا ليسا على عجلة من أمرهما للتوافق على صيغة لإنهاء النزاع، وصيغة من هذا النوع سوف تفتقر إلى الجدية إذا لم تقترن بالاستعداد لممارسة ضغط ملموس على طرفي النزاع، وهو ما لا يلمس له المرء أثراً . وفي ضوء المعطيات الأخيرة، لنا أن نتوقع في أفضل الأحوال طريقاً طويلاً ومتعرجاً للحوار العتيد، تشتد خلاله المواجهات التي بات يدور جزء كبير منها في العاصمة دمشق، بحيث تحسم نتائج الحوار على الأرض لا حول مائدة التفاوض . واقع الحال أن روسيا تنتظر تقهقر المعارضة، وأمريكا تترقب تداعي النظام كي يتم الدفع نحو الحوار، وهذا هو سر البطء والمراوحة في التحرك الدولي، وفيما تتواصل الإمدادات الروسية للحكم في دمشق (تنفيذاً لاتفاقات سابقة كما تقول موسكو)، فإن فرنسا وبريطانيا تكشفان عن توجه لتسليح المعارضة لتعديل موازين القوى كما تقولان .

ومغزى ذلك أن طرفي النزاع سوف يمتلكان باطراد مدداً لإطالة أمد النزاع، هذا هو التدويل الذي سوف يرتد في النتيجة خسراناً على السوريين في إطالة أمد النزاع وتصعيده . وهذه هي نتيجة الركون إلى حلول صفرية (قصوى) ومداعبة أماني الانتصار، والنتائج على الأرض وفي النفوس تشهد على الكلفة الكارثية لهذا الانتصار وعلى فحواه، أيا كان المنتصر . وبهذا أيضاً يتضح المدى الكبير لالتقاء إرادات إقليمية ودولية مع إرادة طرفي النزاع، على الاستمرار في هذا النزاع إلى ما شاء الله . ولا ينفع هنا إلقاء اللوم على القوى الخارجية أياً كانت، فالنزاع يدور على الأرض السورية وبأيدي السوريين أولاً والضحايا سوريون، وفي نهاية المطاف الطويل وفي موعد ما زال مجهولاً سوف تتولى قوى خارجية ترتيبات انتهاء النزاع كما يحدث في سائر النزاعات الأهلية، وعندها سوف يدرك البعض متأخرين، أي كارثة كبرى ألحقوها بوطنهم وشعبهم ودولتهم باللجوء إلى استخدام القوة، واستباحة المحرمات الوطنية والإنسانية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"