صمت الماء والصحراء

ذاكرة المستقبل
04:19 صباحا
قراءة دقيقتين

فلما أخَذَ في الأذان، اضطرب وارتعد حين قال: أشهد

أن لا إله إلا الله، فقام شعر حاجبيه ولحيته، حتى خفْتُ

أنْ لا يتم أذانه، وانحنى حتى كاد أن يسقط

(حلية الأولياء - الأصبهاني)

حب الوطن من الإيمان.

والإيمان هنا هو الإيمان بالله تعالى. وهذا يوم جمعة، وسوف نسمع أذان صلاة الجمعة، كما سنسمع داعي الجهاد من أجل الأوطان. ومن يحب الله تعالى، يرتعد عند سماع الأذان، كما كان العرفاني العراقي الأشهر: معروف الكرخي، حسب رواية أبي نعيم الأصبهاني، في حلية الأولياء في جزئها الثامن.

والبغداديون يعرفون الشيخ معروف الكرخي.

وطلاب محبّة القلب من العرب والمسلمين، كانوا يركبون الإبل وكرام المطايا في الأزمان البعيدة، من أجل السلام على الكرخي معروف. وقال لي مثقف مصري: زرت بغداد من أجل أن أسلم على سيدنا علي وأبي حنيفة ومعروف الكرخي.

وكان معروف في فتوته نصرانياً، يدرس على يد أحد شيوخ الكتاتيب، فهرب ذات يوم من شدة ضرب معلمه له، فكانت أمهُ تبكي وتقول: لئن ردّ الله عليّ ابني معروفاً، لأتبعنّه أي دين كان. والحكاية طويلة ويجدها اللبيب في الجزء الثاني من كتاب صفوة الصفوة لابن الجوزي، رحمه الله تعالى.

لنتصور شاباً عراقياً، أو عربياً، أو مسلماً، يحب الله حباً لا يوصف، فيرتعد، ويضطرب عند سماعه أذان الصلاة. ولنتصور هذا الشاب ذاته، كيف يغضب، أو يثور، أو يأتي بما لم تأت به الأوائل، حين يرى بلده محتلاً من قبل غزاة أجانب، كما هو العراق، وكما هي فلسطين.

هذه هي مقومات المقاومة الصحيحة، حسب كل بلد له ثقافته الخاصة. فليست الرصاصة إلا وليدة وعي عقلي صارم، وشعور وطني لا لبس فيه أبداً. فالفكر أولاً، وبعد ذلك يجوز ما يتلاءم مع الفكر الصحيح.

ويتذكر أبناء أجيالنا في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، رواية صمت البحر لكاتب أطلق على نفسه اسم فيركور، فتحولت إلى انجيل للمقاومة الفرنسية، مع قصيدة بول ايلوار الشهيرة: اسميك الحرية.

وصمت البحر رواية حب بكل معنى الكلمة، وهي صدرت في فرنسا سنة ،1942 فهزت فرنسا من أقصاها إلى أقصاها.

وحين ينادي أحدنا: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فهذا تلخيص لقصة حب لا قبل لأبناء البشر بها. ومن يرغب بدليل، أقل له: تذكر معركة بدر. ومر على معركة الخندق.

وهذا هو جوهر صمت الماء والصحراء

[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"