صندوق النقد في المنافع والمساوئ

03:40 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. لويس حبيقة

أسس المجتمع الدولي بعد الحرب العالمية الثانية ثلاث مؤسسات ما زالت تعمل بقوة وتأثير لا مثيل لهما. البنك الدولي وصندوق النقد واتفاقية التجارة والتعريفات التي تحولت فيما بعد بأهدافها ومقرها إلى منظمة التجارة العالمية. بعد أكثر من 70 سنة من العمل في الاقتصاد الدولي، كيف يمكن تقييم أعمالها خاصة في ظل وتوقيت اجتماع نصف السنة الذي يحصل في هذه الفترة في العاصمة الأمريكية. هل كانت أعمالها كلها إيجابية وما هي طرق التصحيح كي ترتفع فاعليتها لتؤدي دورها بشكل أفضل؟ أخذ صندوق النقد أهمية كبرى مؤخراً مع تطور الأزمة المالية العالمية بدأ من سنة 2007. هنالك جدل كبير قائم حول دور الصندوق ومهمته وتأثيره في الدول النامية والناشئة. هنالك جدل كبير حول من يدير الصندوق فعلياً، الدول الأعضاء أم الدول الصناعية أم الولايات المتحدة فقط؟. وجود البنك والصندوق في واشنطن يعطي الولايات المتحدة دوراً كبيراً فيهما بل نفوذاً واسعاً. عندما أسسا، حاول «جون ماينارد كينز» ممثل بريطانيا في المفاوضات أن يجعل مقر المؤسستين خارج العاصمة الأمريكية، لكن واشنطن فضلت أن تكون فيها لأن نيويورك البديلة هي عملياً «وول ستريت» وبالتالي لا مصلحة في إلصاق هذه التهمة الجائرة على المؤسستين.
بعد سنوات عدة من إقراض الدول الناشئة والنامية، ها هو الصندوق يقرض إلى الدول الصناعية كي تتعافى من أزماتها وتصحح أوضاعها. لا شك أن الدول النامية وخاصة الناشئة استفادت من الفترات الزمنية السابقة لتصبح قائدة للتطور الاقتصادي الدولي. ما هي العوامل الأساسية التي سمحت للدول الناشئة بتحسين أوضاعها في العقود القليلة الماضية؟ الفوائد النقدية المنخفضة، أسعار المواد الأولية المرتفعة، النمو الصيني الكبير، ارتفاع الطلب على المواد الأولية، السياسات الاقتصادية الجيدة وانخفاض العائد المالي على الاستثمارات في الدول الصناعية. عوامل كبيرة ساعدت الدول الناشئة على التطور، لكن العديد منها تغير اليوم أو انقلب رأساً على عقب كأسعار المواد الأولية والنمو الصيني.
اعتماداً على إحصائيات صندوق النقد، نرى أن أهم المقترضين مؤخراً هم دول غربية كاليونان في 2010 (40 مليار دولار)، إيرلندا في 2010 (29,3 مليار دولار) والبرتغال في 2011 (36,3 مليار دولار). سابقاً كانت الدول الناشئة هي المقترضة الأساسية، كالبرازيل في 2001 (18,4 مليار دولار)، الأرجنتين في 2003 (14,5 مليار دولار) وغيرها. حصل تغير واضح في الخريطة الاقتصادية العالمية لمصلحة الدول الناشئة. أما اليوم فالظروف تغيرت بسبب سقوط أسعار المواد الأولية وفي مقدمها النفط، انخفاض النمو الصيني إلى حوالي النصف، ارتفاع اقتراض الدول الناشئة إلى حدود غير مسبوقة خطرة كما ارتفاع الفوائد على الدولار وإن كان بنسب قليلة لكنه مؤشر مهم للمستقبل. ظروف الدول الناشئة لم تعد كما كانت خاصة في البرازيل التي تعاني سياسياً وفساداً وفي روسيا التي تعاني العقوبات وأسعار المواد الأولية. منتقدو صندوق النقد يعلقون أنه فشل في مواجهة التحديات الأربعة الموكلة إليه وهي :
أولا: الرقابة وجدواها وحسن ممارستها. كيف يمكن الدفاع عن هذه الرقابة عندما يغرق المجتمع الدولي في أزمات كبيرة وقاسية كل فترة زمنية لا تتعدى الـ 10 سنوات؟ هل تمارس الرقابة بشكل مهني وجيد ولماذا تحصل الأزمات إذاً؟ لماذا يخطئ الصندوق في توقعاته بالرغم من اطلاعه على كافة الإحصائيات والتفاصيل؟ هل يجب تغيير طرق ووسائل الرقابة أم تغيير الأهداف؟ في الأصل، كانت مهمة صندوق النقد مراقبة أسعار صرف العملات كي لا تتغير بنسب كبيرة تسبب خضات في الاقتصاد الدولي. أما اليوم، فالصندوق يراقب عملياً كل شيء من الاقتصاد الكلي إلى تفاصيل القطاعات كلها. هل كبرت المهمة وأصبح النجاح فيها مستحيلاً؟
ثانيا: عندما يقرض الصندوق، يضع بالاتفاق مع الدول المقترضة شروطاً تساهم في تصحيح الاقتصاد وبالتالي ترفع من نسبة التسديد إذ إن موارد الصندوق تبقى محدودة.
ثالثا: هنالك الكثير من الانتقادات من ناحية إدارة الصندوق لديون الدول النامية والناشئة. عبر الزمن، كانت قروض الدول الناشئة مرهقة وسببت افلاسات كبيرة في دول أمريكا اللاتينية وما زالت دول عديدة تعاني منها كالأرجنتين. هل قام الصندوق بواجبه من ناحية توجيه الدول المقترضة على إدارة ديونها حتى لو لم يكن الصندوق المقرض الأساس.
رابعاً: الحوكمة والفساد وهذا يحصل من ناحيتي المقرض والمقترض. هل هنالك مستفيدون داخل الدول من الاقتراض العشوائي؟ هل يستفيد بعض السياسيين من الاقتراض غير المدروس؟ هل الاستفادة سياسية أي الوصول إلى الحكم فقط أم تكون مادية أي رشوة أو حصة ما؟ هل يكون الصندوق دائماً محايداً بين المقرض والمقترض؟
ربما يكون من الأفضل أن يعود الصندوق إلى تأدية المهمة الأصلية التي وجد من أجلها وهي مراقبة أسعار الصرف وتأمين السيولة السريعة للدول التي تحتاج إليها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"