على ماذا يُعوّل الأكراد؟

05:51 صباحا
قراءة 4 دقائق
حين جرى استفتاء على مصير جنوب السودان تم ذلك باتفاق بين الحكومة السودانية والمعارضين في الجنوب . فلما اقترع الشعب هناك على الانفصال/ الاستقلال، لم يؤد الأمر إلى خضة سياسية داخل البلد . الخضة حدثت داخل دولة جنوب السودان، حين نشب صراع داخلي على السلطة ما زال قائماً في الدولة الجديدة .
يستذكر المرء ذلك مع توارد الأنباء عن دعوة الحكم في كرستان لبرلمان الإقليم كي يقوم بالتحضيرات التشريعية اللازمة لتنظيم عملية استفتاء حول تقرير المصير . والنتيجة المنتظرة هي: المضي في هذه العملية، والاقتراع الإيجابي لمصلحة الاستقلال/ الانفصال . من المنتظر أن يتم ذلك في أجواء من الفراغ السياسي وضياع البوصلة يشهده العراق رغم ارتفاع أصوات العنف والتفجيرات والمواجهات المسلحة في هذا البلد .
حكومة بغداد ترفض بالطبع هذه الخطوة وتعتبرها غير دستورية (لا وجود لعبارة تقرير المصير في الدستور كما قال نوري المالكي) . والتحالفات الآنية التي تعقدها الحركة الكردية مع أطراف سياسية متضررة من الوضع القائم في عموم البلد، هذه التحالفات لا يعول عليها وغير مرشحة بالضرورة للصمود . الأطراف الإقليمية وبالذات إيران لن تبارك الخطوة، وكذلك "المجتمع الدولي" فواشنطن رغم علاقاتها الوثيقة باربيل أعلنت معارضتها للخطوة . بانتظار أن تعلن دول الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين مواقفها وهي لم تفعل حتى تاريخ كتابة هذا المقال . لكن الأفق ليس مغلقاً أمام التحرك الكردي، مما يثير التساؤل: على ماذا يعول الأكراد إذن؟
يعولون أولاً على الفوضى التي تضرب العراق، والتي لا تسمح لبغداد بفتح جبهة جديدة في شمال البلاد مع ارتفاع وتيرة التعبئة الوطنية في الإقليم، وعلى وضع عسكري داخلي متين، وهناك الإمساك بالسيطرة على كركوك، وإمكان استخدامها ورقة للتفاوض مع بغداد، مقابل التسليم بالمتغيرات، والنظر في مستقبل المدينة بين دولتين هما دولة العراق ودولة كردستان! علماً أن القادة الأكراد ما زالوا يرددون أن المدينة خط أحمر وكركوك غنية بالنفط واحتياطي حقولها يبلغ نحو أربعة في المئة من الاحتياطي النفطي العالمي . إضافة إلى ما يتواتر بقوة ومنذ سنوات عن تعاون متعدد الأوجه مع تل أبيب بقناع مدني وعلمي واستثماري، يتمنى المرء ألا تكون هذه التقارير صحيحة، لكن ليس هناك ما ينفيها، والعلاقة التي ربطت الملا مصطفى البرازاني بتل أبيب في خمسينات وستينات القرن الماضي يحفل بها الأرشيف، وقد انفردت تل أبيب بالإعراب عن ترحيب حار باستقلال كردستان قبل أن يتحقق هذا الاستقلال! . والخطاب السياسي الكردي على العموم يضع الكتلة الكردية خارج الصراع العربي - الصهيوني . وتعرف الحركة السياسية الكردية أن جميع مكونات العراق ترفض التعامل مع تل أبيب وتعتبره من المحرمات . كذلك الأمر مع جيران العراق بما فيهم تركيا التي ما زال الفتور والتشكك يطبع علاقتها بالكيان الصهيوني . والتعويل هنا ليس على دعم عسكري بالضرورة بل على دعم سياسي من مراكز النفوذ الأمريكية على الإدارة كي تتعاطى بإيجابية، وعلى الأقل بحياد مع المطامح القومية المعلنة للأكراد .
ويتم التعويل بعدئذ على الأمر الواقع المشفوع بخطوات دستورية ! بحيث تتداعى دول في العالم للاعتراف بالدولة الجديدة، أو لا تبدي رفضها على الأقل، ويتحدث مسؤولون أكراد عن دول أوروبية تؤيد حق تقرير المصير للأكراد وإنشاء كيان قومي مستقل لهم، ويجري ذكر فرنسا في طليعة هذه الدول . كما يجري الحديث عن تفاهمات تحت الطاولة مع أنقرة، بحيث يجد الأكراد الأتراك (17 مليون نسمة على الأقل) في نشوء دولة كردستان تلبية لمطامحهم القومية من دون أن تمتد هذه لمطامح إلى الداخل التركي، وهو ما يسهم في منح أكراد تركيا أصواتهم لأردوغان في الانتخابات الرئاسية . علاوة على مسألة على جانب من الأهمية فدولة كردستان اذا قامت ستكون دولة نفطية، وسوف تجتذب إليها استثمارات ومصالح سياسية شتى في الشرق والغرب . وهكذا فإن الأفق ليس مغلقاً أمام الطموح الكردي، رغم الصعوبات الموضوعية القائمة . ولا شك أن شطراً ليس هيناً من دول العالم لن يلوم الأكراد على خطوتهم هذه، وذلك في خضم التناحر والانقسامات التي ما فتئ العراق يعيشها، بل إن شطراً من العراقيين قد لا يتحمس لإبداء معارضته بعد أن أصبح إقليم كردستان ملاذاً لأطراف سياسية واجتماعية، بل حتى لأناس عاديين يلتمسون الأمن والحياة الطبيعية في أربيل والسليمانية وغيرها من مدن الإقليم .
يتمنى المرء أن يتمتع الأكراد بالأمن والكرامة والهوية الوطنية، وأن يحتفظوا بعلاقاتهم التاريخية مع جيرانهم وشركائهم العرب، ولا شك أنهم ذاقوا ويلات شأنهم شأن غيرهم من مكونات العراق في ظل أنظمة دكتاتورية قصيرة النظر، وأن تضمن أية خطوة يخطونها الإفادة من دروس الماضي بنسج أفضل العلاقات مع محيطهم، وأن يثيروا طمأنينة هذا المحيط وخاصة في مسألة الصلات المريبة مع الكيان الصهيوني، وأن يتمعنوا في طروحاتهم السابقة حول عراق فيدرالي يجدون فيه الفرصة لإشباع المطامح القومية . . وفي جميع الأحوال، فإن المُلام على هذه التطورات وما يحِفّ بها من محاذير هو من أدت سياسته إلى تفكيك العراق ورفع الحواجز الصفيقة بين العراقيين، على نحو وفّر ظروفاً موضوعية وبيئة صالحة لمثل هذه المطامح المعلنة .

محمود الريماوي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"