عندما تكبل "بلاد الحرية" حرية الشعوب

05:04 صباحا
قراءة 4 دقائق

التغطية الإعلامية الهائلة التي رافقت الذكرى العاشرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول واستهداف برجي التجارة العالميين، كادت أن تحجب عن العالم حدثاً آخر مهماً سيعرفه شهر سبتمبر أيضاً، فالحكومة الفلسطينية تعتزم خلال الشهر الجاري التقدم بطلب الحصول على عضوية الدولة في الأمم المتحدة .

إنه تحرك لم يسبق له مثيل، فقد شعر الفلسطينيون في النهاية بأن جهودهم المبذولة ووقتهم المهدور في مفاوضات السلام قد ذهبت سدى، وأن لعبة الانتظار قد انتهت، فقد آن لفلسطين أن ترتقي دبلوماسياً وأن يكون لها مقعدها في الأمم المتحدة، فليس هناك ما يعيقها عن الحصول على هذا الحق .

ففلسطين مستوفية لكل المقاييس المدرجة في اتفاقية مونتيفيديو، المتعلقة بحقوق وواجبات الدول الواقعة تحت حماية القانون الدولي، فهي بلاد لها حدود واضحة المعالم، ويقيم عليها سكان دائمون، ولها أيضاً حكومتها وقدرتها على التواصل مع الدول وإقامة العلاقات معها . أوليس هذا كافياً ليمنحها شرعية المطالبة بحقوقها؟

ليس هذا فحسب، بل إن هناك أكثر من 120 دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تعترف بفلسطين، ما يعطيها فرصة حتمية للفوز بالتصويت .

إذاً، وفي عالم تكتنفه المثالية، ليس هناك ما يبرر رفض طلب الدولة الفلسطينية، لكننا، مع الأسف، نعيش في عالم تطغى فيه المصالح السياسية على كل ما هو منطقي وإنساني ما يجعل فرصة الاعتراف بهذه الدولة شبه معدومة .

إن كلمة واحدة كفيلة بأن تجعل من فلسطين دولة مستقلة أو أن تلغي وجودها نهائياً، الفيتو أو حق النقض، وهي كلمة لها تأثير قوي في الأمم المتحدة، وترتبط بخمس دول عظمى تهيمن على مجلس الأمن هي الصين، المملكة المتحدة، فرنسا، روسيا والولايات المتحدة .

إن حق النقض، أو الفيتو، كلمة تعطي من ينطق بها في مجلس الأمن حق الاعتراض على أي قرار بغض النظر عن عدد الأصوات المؤيدة له .

والولايات المتحدة في الواقع، تهدد باستخدام هذا الحق للاعتراض على الطلب الفلسطيني . . فلماذا إذاً تبذل الجهود الدبلوماسية الكبيرة لإقناع الرئيس محمود عباس بالعدول عن رأيه؟

لقد أرسلت الولايات المتّحدة وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون وكذلك ديفيد هيل، ودينيس روس، وأيضاً توني بلير في محاولة لإقناع الرئيس عباس بالتخليّ عن رغبته الجامحة باعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية . لكن أمريكا تعرف تمام المعرفة أنّ فوزها في هذه المعركة لا يعني انتصارها في حربها .

وباستخدام الولايات المتحدة حق النقض ضد الطلب الفلسطيني، فإنها تحشر نفسها مجدداً في الزاوية المعزولة لإسرائيل، في الوقت الذي تقف فيه دول عدم الانحياز مرتبكة أمام الرفض الأمريكي .

إن الولايات المتّحدة لا تريد أن تناقض نفسها، فمنذ أشهر ألقى رئيسها باراك أوباما خطاباً وجهه إلى بلدان الشرق الأوسط المنتفضة، وأقر بضرورة قيام الدولة الفلسطينية بقوله: كي يكون هناك سلام دائم، لابد من وجود دولتين لشعبين . وفي ذلك الخطاب أيضاً استخدم أوباما كلمات لا تقبل بها إسرائيل قائلاً إن الحدود بين إسرائيل وفلسطين يجب تقوم على أساس 1967 . كلمات طيرت صواب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فتوجه غاضباً إلى الولايات المتحدة حيث اجتمع بالرئيس الأمريكي في واحد من أكثر اللقاءات صعوبة وتوتراً في تاريخ العلاقات الأمريكية الإسرائيلية . ففي ذلك اللقاء، قال نتنياهو لرئيس العالم الحرّ إنّ رؤيته للسلام في الشرق الأوسط غير واقعيّة وإنها مجرد وهم .

لم يتعرض رئيس للولايات المتّحدة في تاريخها كله، لمثل ذلك الموقف القاسي وعبر بث تلفزيونيّ حي . لقد ابتلع الرئيس أوباما الموقف المخزي، متحاشياً النظر في عيني نتنياهو الذي أمعن في تلقينه دروساً لن ينساها، ولم يأت أوباما بعدها على ذكر عام 1967 ثانية!

إن استخدام أوباما حق النقض ضد الطلب الفلسطينيّ، يؤكّد أنّ نتنياهو قد لقنه درساً لا ينسى، ويظهر للعالم ثانية مدى تأثير النفوذ الإسرائيليّ في السياسة الأمريكيّة .

وسوف تمنع الولايات المتحدة الدولة الفلسطينية من الحصول على حقها بحجّة أنّ فلسطين لن تكون إلا إذا وافقت إسرائيل على ذلك . بينما يمكن لإسرائيل أن تكون بدون أي موافقة فلسطينية .

وبعدما قدم الفلسطينيون العديد من التنازلات خلال عقود من الزمن ومنها حق عودة اللاجئين، مع استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات فوق الأراضي الفلسطينية، أما آن الأوان لإسرائيل أن تقدم تنازلات بدورها؟

في الواقع، فلسطين ليست في حاجة لإذن من إسرائيل لتعلن عن نفسها كدولة، خصوصاً أن ما يزيد على120 دولة قد وعدت بالتصويت لصالح الاعتراف بها دولة مستقلة . لكن، كيف يمكن للولايات المتّحدة أن تقود عملية مفاوضات عادلة وشاملة في حين أن اللاعبين الأساسيين في الساحة ليسوا متكافئين؟ وكيف يمكن أن نصدق أن الرئيس الأمريكيّ قادر على اتخاذ خطوة إيجابية حيال القضية الفلسطينيّة وهو ينكر وجود الدولة أساساً؟

إنّ ولادة دولة فلسطين سوف يتحقق التكافؤ بين اللاعبين في الساحة، وسوف تزود المفاوضات في المستقبل بمادة جديدة، كما سترفع الروح المعنوية للشعب الفلسطينيّ الذي يشعر بأنه شعب منبوذ في الوقت الذي بدأت فيه شعوب العالم العربي من حوله تستيقظ على بزوغ فجر جديد وهي تشعر أكثر فأكثر باحترام ذاتها .

لقد وعد أوباما الشعب الأمريكيّ خلال حملته الانتخابية بإزالة ما علق بصورة الولايات المتحدة من شوائب ، وها هو ينكث بوعده ويعترض مطالبة شعب يعيش على أرضه بحقوقه .

أمام أمريكا اليوم فرصة كي تحرر نفسها من قيود إسرائيل السياسيّة، وتتخذ موقفاً حازماً يتضح من خلاله جوهر الشعب الأمريكي، رغم تهديدها العلني باستخدام حق النقض . أما إذا لم تنتصر فلسطين في هذه المعركة فلا بد أن تنتصر في حربها التي سوف تكشف عن الواقع المثير للسخرية وهو أن بلاد الحرية لا تعترف بحرية الآخرين .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​رئيس تحرير صحيفة Gulf Today الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"