عن «صفقة القرن» المنتظرة

03:56 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

يشاع الكثير ويتسرب أو يسرب الكثير من المعلومات عمداً عما يسمى ب«صفقة القرن»، التي تزعم الإدارة الأمريكية، أنها ستكون حلاًّ جذرياً للصراع العربي -«الإسرائيلي»، وآخر ما يتعلق بهذه الصفقة هو ما أعلنه مندوب «إسرائيل» لدى الأمم المتحدة داني دانون مؤخراً، بأن بداية العام القادم ستشهد إعلان البيت الأبيض لهذه الصفقة، التي قال بأنها اكتملت، مشيراً إلى أن موعد مطلع العام المقبل يعتبر أفضل توقيت؛ لأنه يأتي قبل أشهر من الانتخابات في «إسرائيل».
وعلى الرغم من كل ما يتسرب أحياناً عبر وسائل الإعلام أو المسؤولين الأمريكيين، أو «الإسرائيليين»، فإن ما يقال عن هذه الصفقة، يعيدنا في الواقع إلى المثل الشعبي القائل: «إن المكتوب يقرأ من عنوانه»؛ لأن هذه الصفقة التي تنتظر إشهارها على العالم، تبدو ملامحها واضحة لكل من يجيد القراءة السياسية للأحداث في المنطقة، فهي تأتي في وقت تظهر فيه الإدارة الأمريكية انحيازها الكبير إلى جانب المحتل «الإسرائيلي»؛ حيث قدمت هذه الإدارة في ظل حكم الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، ما لم تقدمه أي إدارة أمريكية أخرى ل«إسرائيل» على مدى سنوات الصراع كلها، ولا سيما في إطار خرقها السافر للقانون الدولي، بالاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل»، ومحاولاتها شطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين، الذين تشير سجلات وكالة الغوث (الأونروا) إلى أن عددهم حتى الأول من يناير/ كانون الثاني عام 2015 بلغ نحو 5.6 مليون لاجئ، (وهو الحد الأدنى لعدد اللاجئين الفلسطينيين)، والذين يقدر عددهم حسب إحصاءات فلسطينية بأكثر من ذلك بكثير، علماً بأن قبول «إسرائيل» للقرار الصادر عن الأمم المتحدة برقم 194، والقاضي بحق العودة للاجئين الفلسطينيين، كان شرطاً لقبول عضوية «إسرائيل» في الأمم المتحدة.
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار، الخطوات التي اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في الآونة الأخيرة، من حيث وقف مساعداتها للأونروا، ومحاولات شطب حق العودة، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وتخفيض المساعدات إلى السلطة الفلسطينية، والدعوات الأمريكية لتجريم مقاومة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، نكون أمام صورة واضحة لما يسمى ب«صفقة القرن» التي تتحدث الإدارة الأمريكية عنها، والتي ستكون بكل تأكيد، محاولة لاستثمار الواقع العربي المفكك، والانقسام الفلسطيني المزمن، لإخراج مسرحية تسوية سياسية، لا تعدو في الواقع سوى تصفية مهينة للقضية الفلسطينية، عبر طمس الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وتعزيز موقع «إسرائيل» في المنطقة، تحت يافطة السلام الموعود.
ورغم أن مصطلح «صفقة القرن» جديد، فإن مضامين هذه الخطة الأمريكية ليست جديدة كلها؛ حيث جرى الحديث عن جزء منها عام 2006 ضمن ما عرف بتفاهمات أولمرت-عباس، كما أن فكرة تبادل الأراضي، ومن ثم إقامة فدرالية أردنية-فلسطينية؛ من خلال إعادة تأسيس الدولة الأردنية على شكل ثلاث ولايات: الضفة الشرقية، والضفة الغربية، وقطاع غزة. جرى الحديث عنها في عام 2010 على لسان مستشار الأمن القومي «الإسرائيلي» السابق جيورا أيلاند، الذي أشار في حينه إلى فكرة تنازل مصر عن 720 كيلومتراً مربعاً من أراضي سيناء لصالح الدولة الفلسطينية المستقبلية.
وبتوقفنا أمام بعض المعالم التي تكشفت عن «صفقة القرن»، فإن أبرز ما تتضمنه هو الاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل»، والموافقة على ضم الكتل الاستيطانية.
كما يتضمن ما تسرب عن الخطة الأمريكية الجديدة، وحسب مسؤولين في السلطة الفلسطينية، مفهوماً أمنياً مشتركاً ل«إسرائيل» والدولة الفلسطينية، يشمل أربع نقاط، وهي: أن دولة فلسطين «منزوعة السلاح مع قوة شُرطية قوية»، وإيجاد تعاون أمني ثنائي وإقليمي ودولي، وربما يشمل مشاركة الأردن ومصر وواشنطن، والباب سيكون مفتوحاً أمام دول أخرى، مع وجود قوات «إسرائيلية» على طول نهر الأردن والجبال الوسطى، بزعم حماية الدولتين.
كما تتضمن هذه الصفقة أيضاً اعتراف دول العالم، بدولة عبرية ك«وطن قومي للشعب اليهودي»، وبدولة فلسطين وطناً قومياً للشعب الفلسطيني»، وهذا يعني أن المواطنين الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 سيواجهون حكماً عنصرياً، ومحاولات «إسرائيلية» بتهجيرهم إلى الخارج.
وبغض النظر عن التفاصيل المتسربة ل«صفقة القرن»، وهي كثيرة بالطبع، إلا أن ما يمكن قوله هو أنها لن تلبي الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية المشروعة لإقامة السلام؛ لأنها تتفق تماماً ورؤية اليمين «الإسرائيلي» الذي لا يؤمن إلا بأرض «إسرائيل التوراتية» كما ترسمها الأطماع الصهيونية، والتعامل مع الفلسطينيين على أنهم مجرد سكان على بعض الأراضي المتنازع عليها، حسب المصطلحات «الإسرائيلية».
وعلى ما تقدم يمكن القول: إن ما تحمله «صفقة القرن» التي سنشهد ولادتها قريباً، ليس إلا تسويقاً للوهم في الشارع العربي والفلسطيني خاصة، وأنها ليست سوى خطة لتعزيز أمن «إسرائيل»، وحماية مشروعها التوسعي في المنطقة، وهو ما يستدعي بكل تأكيد مقاومة فلسطينية لهذه الصفقة، تبدأ من تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية، ودفن الانقسام الفلسطيني، كخطوة أولى في هذا الاتجاه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"