عن المسلسلات المرعبة

03:18 صباحا
قراءة دقيقتين
د.عبدالعزيز المقالح

لم يعد التلفزيون يغري مشاهديه بما يقدمه من حوارات وبرامج ومسلسلات، وإذا كانت أغلبية المشاهدين قد تمحور اهتمامها على ما يقدمه هذا الجهاز من مسلسلات، فإن هذه الأغلبية بدأت تعلن عن غيظها، بل وغضبها من هذه المسلسلات المرعبة والقاتلة للأحاسيس بما تعرضه من موضوعات تصور المجتمع العربي وقد تحول إلى ساحة إجرام، وتعذيب مبالغ فيه، وعلى مدى عام كامل لم أشاهد مسلسلاً واحداً يخلو من هذا الموضوع القاتم: قتل، وسطو، وسجون، ومعتقلات، وانتقام، وانتقام مضاد، ومعارك لا تترك للمشاهد وقتاً لاسترجاع أنفاسه. فيضطر أحياناً، وغالباً، إلى أن يدير مفتاح التلفاز بحثاً عن مسلسل آخر يعيد إليه ثقته بنفسه، وبالمجتمع الذي يعيش فيه، ويعاني مشكلاته القابلة للحل.
صحيح أن مجتمعاتنا العربية وفي قاع هذه المجتمعات خاصة الكثير من النماذج المنحرفة، لكنها ليست بالصورة المبالغ فيها والتي تخلو نهائياً من أبسط المشاعر الإنسانية والحيوانية، والتي تحولت إلى مدارس يتعلم فيها المجرمون، وغير المجرمين، أساليب السطو على المنازل والمتاجر، وأساليب القتل المجاني بقلوب باردة، وأكف لا ترتعش .
وتعلو التساؤلات وتكثر: أين غابت مسلسلات زمان تلك التي تبعث على البهجة، ويرى فيها المشاهد نماذج واقعية لبشر يفرحون ويحزنون، يتفقون ويختلفون، في إطار من الأخلاقيات العالية، وما تشكله من قدوة حسنة؟
وكم يتحسر المشاهدون على غياب المسلسلات السورية تلك التي كانت تعكس واقعاً اجتماعياً ووطنياً لا تخلو من المشكلات التي لا تخرج عن قيم التعايش واحترام الشعور العام. كذلك غياب المسلسلات الأردنية ذات الطابع البدوي والقروي القريب من الواقع والطموح إلى التغيير. لقد قيل الكثير عن انحراف المسلسلات العربية والاتجاه بها نحو العنف. ومما قيل إن بعض الأسباب تعود إلى تأثر المخرجين والكتاب ببعض النماذج من المسلسلات الأمريكية التي تعكس واقعاً مختلفاً صار العنف فيه مبدأ وأسلوب حياة .
ولا يمكن بحال من الأحوال وجود تشابه ما بين الحياة في نيويورك والحياة في القاهرة، أو بيروت، ودمشق. وقد لفت انتباهي في عدد من المسلسلات العربية ما يحدث للسجناء والمخطوفين من تعذيب يفوق الوصف، ولا يحدث مثله إلاَّ في العقول المريضة.
لا خلاف على أن هناك سجوناً رسمية تمارس فيها أشكال من التعذيب المدان والمرفوض، لكن سجون المسلسلات والسجناء تتفوق عليها في وسائل التعذيب، وتجعل السلطات الغاشمة تظن في أن ما تتخذه في حق خصومها أقل مما تعكسه المسلسلات المشار إليها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"