عياش يحياوي، وكتاباته عن الإمارات (2)

06:01 صباحا
قراءة 3 دقائق

من الملاحظ في كتابات الأستاذ عياش يحياوي، أو الكتابات التي قرأتها له حتى الآن، أنه تواق الى البحث عن العشائرية والقبلية، ويبدو كما هو واضح في كتابه، (لقبش، سيرة ذاتية لحليب الطفولة)، المتعلق بسيرته الذاتية، أنه عاش طفولته بين العشائر في قرية من قرى الجزائر، وكان جل وقته بعيداً عن العيش في المجتمع المدني الجزائري الذي كما هو معروف، لا يقل عراقة في المدنية عن أي مجتمع في الأقطار العربية الأخرى، إن لم يزد عليه... وليس هذا النمط من السلوك البحثي بالشيء الذي يؤاخذ عليه الأستاذ عياش أو غيره من الباحثين، ولكن الشيء الذي يؤاخذ عليه الأستاذ عياش هو أن تكون العشائرية والقبلية والعرقية وما شابه ذلك من الانتماءات الجوفاء، مدار تفكير أو مشروع يشغل الذهن ويخصص له جهد، ويزيد الأمر حيرة، إذا نبع هذا التفكير الفارغ والساذج من لدن مثقفين وواعين، ويعيشون في مجتمع مدني يسير الى الأمام ولا يلوي على مخلفات بالية، عفى عليها الزمن.. كالبلاد العربية أو قل معظمها التي بات المجتمع المدني فيها قاب قوسين أو أدنى مما هو عليه حال المجتمعات المدنية الراقية.

ولا أدري ما هي علاقة الثقافة والمثقف ودوره في مجتمعه وإنتاجه الفكري والحكم عليه بالفائدة أو عدمها، بأرومة آبائه وأجداده، ومن أين هم وإلى من ينتمون من الناس، وهذا ما نراه في الحوار الذي يجريه السيد عياش يحياوي مع من حاورهم.. فهل السائل والمحاور، الأستاذ عياش، كان يقصد أن يكون تعسفياً ويجرح البعض من هؤلاء وغيرهم؟ لا أعتقد ذلك، ولكن فحوى ما كان يرميه عليهم من أسئلة يثير هذا التساؤل لدى القارئ الفطن.. من حق المحاور معه أن يعرض ما يشاء من سيرة وانتماء وأرومة لنفسه، ولكن من غير أن يُجر ويدفع دفعاً الى ذلك.

في الصفحات 68 و101 و387 و388 من كتاب (أول منزل).. يلاحظ القارئ، ثقل الأسئلة التي يلقيها الأستاذ عياش على المتحاور معهم بحيث يُستشف من السؤال والجواب على السواء، أن هناك شكاً أو تساؤلاً عن انتماءات المتحاور معه، فيضطر هذا المتحاور معه، أن يلجأ هو أيضاً الى الإجابة التعسفية، كأن يقول أنا من (فلانيين) من الناس قحاً!! أي من الخلص الذين ليس في نسبهم المسمى أو انتمائهم أي ريب!!.. وفي إحدى الصفحات التي جئنا على ذكر أرقامها آنفاً، تقول إحدى الشخصيات المتحاور معها.. إن (الفريج) الفلاني هو الفريج الأصلي (وسكان الفرجان) الأخرى ليسوا من ذوي الأنساب ومن الخطأ اعتبارهم في سجل أي تاريخ، أو مثل هذا المعنى من الكلام!!

ويشير آخر الى نسب لإحدى العشائر التي ينتمي إليها، وهذه العشيرة التي يسميها من العشائر التي تنتمي إليها إحدى الأسر الحاكمة.

لا تهمنا القحية في الانتماء النسبي أو خلافها، فهي شأن الفرد نفسه، فنحن نصدقه القول إذا شاء، ولا تجيز أخلاقياتنا، أن نقول له غير ذلك.. طالما هو في دعوى هذا الانتماء لا يضر أحداً.. ولكن ما ذكر من كلام بين الأستاذ عياش وبين متحاوريه هو من قبيل (الدردشة) الاجتماعية التي تحصل عادة في حوارات مفتوحة تعلوها المجاملات الشخصية، وفي رأيي أنها لا تستحق التدوين، ولا الأخذ بها كحقيقة من حقائق واقعنا الاجتماعي وما نحن فيه من شأن، لا سيما عند استعراض المكانة الثقافية والواقع الثقافي اللذين نحن بصدد الوقوف عليهما، أو التعرف إليهما، في وقت كوقتنا هذا الذي لا تعتبر فيه المكانة الأسرية من أرومة وجاه، قيمة مضافة للتكوين الثقافي للإنسان.. وعندي أن من يبحث عن مثل هذه القيمة المضافة ليسد بها فراغاً يشعر به، فعليه بالاستزادة من المعرفة ومن الثقافة لأنهما الوسيلتان الناجعتان اللتان ترفعان الإنسان الى الأعلى.. وهذا ما تقر به كل الأمم التي لها الغلبة في الحضارة والمدنية والسؤدد.

وبالرجوع الى الكتاب الآخر للسيد يحياوي، (سلمى، جدة شعراء الإمارات...)، فأعتقد أن هذا الكتاب لا يضيف شيئاً جديداً الى البحوث المتعددة التي عملها العديدون في الإمارات عن ابن ظاهر، الشاعر الشعبي المعروف، وفي هذه البحوث ذكرت سلمى هذه التي يقال إنها ابنة ابن ظاهر.. والسيد عياش يحياوي من الذين كتبوا عن ابن ظاهر وحياة ابن ظاهر كتابات عدة.. وفي اعتقادي أنه ليس هناك من جديد يتعلق بابن ظاهر، لم يشر إليه من قبل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"