فازت تركيا وخسر أردوغان

03:06 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. غسان العزي

الرئيس رجب طيب أردوغان هو الذي أراد أن تكون الانتخابات التشريعية، الأسبوع الماضي، استفتاءً على شخصه وسياساته ومشروعه الرئاسي. صحيح أنّ حزب العدالة والتنمية حقق، تحت زعامته، إنجازات يعترف له بها القاصي والداني، إنما كافأه الشعب عليها بانتخابه، وبأغلبية مطلقة،في كل الانتخابات المتعاقبة منذ عام ٢٠٠٢، الرئاسية منها والبرلمانية والبلدية.

حكم الحزب تركيا بمفرده طوال هذه الأعوام الثلاثة عشر وحكم أردوغان الحزب خلالها فكان رئيساً للوزراء قبل أن يضحى رئيساً للجمهورية في العام الماضي. وربما وقع الرجل في فخ إنجازاته فتضخمت عنده الأنا وبات ينظر في المرآة فيرى سلطاناً عثمانياً وخليفة يتخطى نفوذه حدود بلاده.
وللوصول إلى هذا الحلم لا يكفي بناء قصر بألف وخمسمئة غرفة بتكلفة ٦١٥ مليون دولار مع حرس رئاسي بلباس عثماني فخم، بل ينبغي تعديل الدستور بعد الاستحواذ على نسبة ثلثي المقاعد البرلمانية في الانتخابات التشريعية. على هذا الأساس وسعياً وراء هذا الهدف خاض أردوغان المعركة الانتخابية بشراسة قل نظيرها. يومياً راح يلقي الخطب في المهرجانات الشعبية منتقداً خصومه بأقذع العبارات ومستخدماً الدين سلاحاً, ومنتهكاً الدستور ورمزية الموقع الرئاسي الذي يحتم على رئيس الجمهورية أن يبقى على مسافة واحدة بين الأحزاب وأن يعلو فوق الصراعات الحزبية والسياسية.
ركّز هجومه على «حزب الشعوب الديمقراطي» وزعيمه الشاب صلاح الدين دميرطاش (وصفه بأنه ملحد، وصبي تافه يشكل واجهة لحزب العمال الكردستاني المتمرد) لسبب واضح وهو أن فشل هذا الحزب في الحصول على عشرة في المئة من الأصوات يجيّر أصواته،بحسب القانون الانتخابي، إلى الحزب الذي يليه في الترتيب وهو «العدالة والتنمية» ما يكفل لهذا الأخير حصوله على ما يصبو من المقاعد.
جاءت النتيجة تماماً عكس الطموحات الأردوغانية إذ حصل الحزب المؤيد للأكراد على ١٣٪ تُرجمت بتسع وسبعين مقعداً في البرلمان، على حساب الحزب الحاكم. لقد صوّتت العائلات الكردية الكبرى في مناطق ديار بكر وماردين وفان وبنغول إلى «حزب الشعوب الديمقراطي» بعد أن كانت تمنح أصواتها لحزب اردوغان الذي قدم لها وعوداً لم يف بها. والملفت أن «حزب الشعوب» خاض الانتخابات، هذه المرة، بمرشحين حزبيين بعدما كان يخوضها في السابق بمرشحين مستقلين. انتصاره يعني بأن الأكراد سيلعبون دوراً أساسياً في المشهد السياسي التركي والإقليمي المقبل، كما بات عليه أكراد سوريا والعراق.
لم يحصل أردوغان على نسبة ثلثي مقاعد البرلمان (٣٦٧ من أصل ٥٥٠ مقعداً) كي يتمكن من تعديل الدستور التركي فيحيل النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي على الطريقة الأمريكية، كما أنه لم يحصل على ٣٣٠ مقعداً تسمح له بالدعوة إلى استفتاء شعبي على مثل هذا التعديل. أكثر من ذلك فهو لم يفز حتى بالأغلبية التي تسمح له بتشكيل الحكومة بمفرده كما اعتاد أن يفعل منذ عام ٢٠٠٢.
المعطى جديد ومفاجئ وإن كان من ضمن السيناريوهات العديدة التي توقعها المحللون للانتخابات التركية التي ستحدد نتائجها قواعد اللعبة السياسية التركية في السنوات المقبلة.
وتقف أنقره اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما تشكيل حكومة ائتلافية من العدالة والتنمية وأحد الأحزاب المعارضة، وإما الذهاب إلى انتخابات مبكرة.
لكن المشكلة أن كل الأحزاب المعارضة (والتي تعجز عن التحالف لتشكيل حكومة نظراً للخلافات الكبيرة فيما بينها) أعلنت عن رفضها التحالف مع الحزب الحاكم، وهذا الأخير أعلن نفسه، على لسان زعيمه رئيس الوزراء داود أوغلو، منتصراً في الانتخابات.
ويمهل الدستور البرلمان خمساً وأربعين يوماً لتشكيل حكومة جديدة وإلا فالذهاب إلى انتخابات مبكرة. وهذه المهلة كافية للعثور على مخرج يحافظ على الاستقرار السياسي ويلجم اندفاعة الليرة التركية إلى التراجع والاستثمارات الأجنبية إلى الشعور بالقلق ويبقي على حزب العدالة والتنمية في الحكم ولو غير منفرد.
ويبدو مؤكداً أن تشكيل ائتلاف بين هذا الأخير و«حزب الشعب الجمهوري»، المعارض الأكبر (١٣٢ مقعداً)، هو سيناريو مستبعد نظراً إلى الفجوة العميقة التي تفصل ما بين الحزبين. ويبقى التحالف مع الحركة القومية (ثمانين مقعداً) ممكناً رغم الخلافات في أكثر من ملف داخلي وخارجي.
لكن مثل هذه الحكومة الائتلافية قد تزيد من حدة الاستقطاب العرقي والقومي في تركيا. أما التحالف مع «حزب الشعوب الديمقراطي» (٩٧ مقعداً) فمن شأنه ربما المساعدة في التوصل إلى حل للمشكلة الكردية، وهي فرصة ثمينة للطرفين. وقد يغري الذهاب إلى انتخابات مبكرة الطرفين الحاكم والمعارض.
فقد يظن أردوغان أن لديه ٤٥ يوماً على الأقل كي يقنع الناخبين بالعودة إلى التصويت له حفاظاً على الاستقرار السياسي والمالي. وقد تظن المعارضة أن لديها الفرصة كي تحرك في البرلمان ملفات الفساد المحيط بالحزب الحاكم ما يجعله يخسر المزيد من الأصوات.
في جميع الأحوال بات مؤكداً بأن أردوغان لن يكون السلطان السابع عشر، كما تمنى، وبذلك يكون قد مني بهزيمة ماحقة في الانتخابات. وربما عليه أن يقرأ التجربة الديغولية في ستينات القرن المنصرم ويتعلم منها الدروس. حزب العدالة والتنمية بقي الأقوى وبمسافة كبيرة تفصله عن معارضيه، وبذلك لا يمكن القول بأنه هُزم لكنه بات مضطراً للقبول بمشاركة الآخرين في الحكم.
الرابح الأكبر هو تركيا لأنها نجت من الوقوع في فخ الأحادية والاستبداد وعادت إلى أيام الحكومات الائتلافية والتصويت على الثقة بها أي إلى الديمقراطية الحقيقية والتي أساسها التعددية وتداول السلطة عن طريق صناديق الاقتراع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"