فرنسا والجمهوريات الوراثية في إفريقيا

03:20 صباحا
قراءة 3 دقائق
الحسين الزاوي
يلاحظ المتابعون للشؤون الإفريقية أن قصة فرنسا مع مستعمراتها السابقة في إفريقيا، مليئة بالأسرار والفضائح المدوية التي تشير إلى التدخلات المباشرة لقصر الإليزيه في الشؤون الداخلية للدول الإفريقية الناطقة بالفرنسية، وهي الدول التي ظلت تعاني طوال سنوات استقلالها عن دولة المركز، التخلف السياسي والاقتصادي وهشاشة هيكلية كبيرة في بنية السلطة ومؤسسات الدولة.
ويؤكد أغلب هؤلاء المتابعين أن تدخلات باريس في الشؤون الإفريقية، كانت تتسم دائماً بالسلبية وبالرغبة في فرض أجنداتها من خلال الضغط على النخب السياسية الحاكمة، وعلى المعارضة في اللحظة نفسها، كما كانت تحرص دائماً على رسم الخطوط الفاصلة ما بين السلطة والمعارضة، داخل المجال السياسي لكل دولة. ودأبت، طوال عقود من الزمن، على دعم ديكتاتوريات دموية قامت بارتكاب مجازر مروّعة في حق شعوبها، بل وحرصت في مناسبات عديدة، على التستر على التجاوزات الخطرة التي اقترفتها الحكومات العميلة لها، من خلال التأثير على المنظمات الحقوقية الدولية، من أجل إسقاط المتابعات القضائية التي جرى تحريكها، ضد تلك الحكومات المستبدة.
ونستطيع التأكيد، أن عناصر الجغرافيا السياسية والاستراتيجية لفرنسا اعتمدت، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بشكل لافت على نفوذها في القارة السمراء، لذلك فقد حرصت على إقامة قواعد عسكرية متعددة في دول غرب إفريقيا، كما سعت في اللحظة نفسها، إلى القيام بتدخلات عسكرية مباشرة، من أجل حماية نفوذها في أماكن الصراع والنزاع. وقد تجلت آخر هذه التدخلات في قيامها بإرسال قوات عسكرية إلى بانغي، عاصمة جمهورية إفريقيا الوسطى، وإلى مالي، من أجل الحفاظ على ما تبقى من مؤسسات الدولة المتهالكة في هذين البلدين؛ وتزامن هذا الحراك الفرنسي المحموم مع تقلص النفوذ الفرنسي في أوروبا، بعد قيام الاتحاد الأوروبي، بتوسيع قاعدته في اتجاه دول شرق ووسط أوروبا، الواقعة تحت تأثير النفوذين البريطاني والألماني.
ويمكن القول، إن الحضور الفرنسي في إفريقيا، تميّز خلال العقود القليلة الماضية بكثير من الصخب الناجم عن التدخلات المتكررة في الشؤون الداخلية لدول القارة. وعليه فإننا لن نكون مبالغين إذا ذهبنا إلى حد القول، إن فرنسا كانت من أكثر القوى الاستعمارية رغبة في إبقاء مستعمراتها السابقة في حالة من التبعية شبه المطلقة، الأمر الذي جعل دول غرب إفريقيا تعيش حالة شبه دائمة من الفوضى والانقلابات، وعدم الاستقرار.
وقد دفع هذا الدور الفرنسي في إفريقيا الكثير من المتابعين لشؤون القارة السمراء إلى توظيف مفهوم خاص، هو مفهوم «فرنسا- إفريقيا» الذي يجب تمييزه عن مفهوم «إفريقيا الفرنسية» الذي يشير إلى دول إفريقيا الناطقة باللغة الفرنسية، حيث بات المفهوم الأول، يتسم بشحنة دلالية في غاية السلبية، تميزت بنسق سلوكي يغلب عليه الدعم غير المشروط للديكتاتوريات الموالية لها، من خلال مساهمتها في التخطيط لانقلابات في الدول التي تشق عصا الطاعة، فضلاً عن المساعدة في تهريب رؤوس الأموال، والتمويل غير المشروع للأحزاب السياسية الداعمة للنفوذ الفرنسي.
وتمثلت آخر ممارسات فرنسا الإفريقية، في الخبر الذي أورده موقع «ميديا بار»، الذي يشير إلى اتخاذ الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، قراراً يقضي بدعم الرئيس الغابوني علي بونغو، في الانتخابات الرئاسية التي ستُجرى مع نهاية هذا الشهر، حيث تحصل هذا الموقع الإعلامي على رسالة بعث بها الرئيس الفرنسي إلى بونغو يعبّر له فيها عن دعمه له في صراعه ضد خصومه ومعارضيه.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن بعض رموز المعارضة الغابونية كانوا قد قاموا بمقاضاة الرئيس بتهمة تزوير أوراق حالته المدنية، وأكدوا أن علي بونغو، لا يملك الجنسية الإفوارية، وأنه من أصول نيجيرية، من منطلق أن عمر بونغو والده المفترض، قام بتبنيه مع نهاية الخمسينات من القرن الماضي، ليستلم بعد ذلك السلطة بعد وفاة الأب سنة 2009، خاصة أنه كان قد عمل على تصفية كل خصومه من خلال استغلال نفوذه داخل المؤسسة العسكرية، بحكم منصبه السابق كوزير للدفاع، طوال سنوات طويلة من حكم والده.
وعليه فإنه وبموازاة ادعاء فرنسا الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وضرورة التداول على السلطة في الوطن العربي، فإنها لا تجد أي حرج في الدفاع عن الجمهوريات الوراثية في إفريقيا من أجل حماية نفوذها في القارة السمراء، في مواجهة الحضور الأمريكي والصيني الذي يزداد تعاظماً نتيجة التراجع الثقافي والاقتصادي الذي باتت تشهده فرنسا خلال العقود الماضية.
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"