فلسفة القيم الإنسانية في الإمارات

03:26 صباحا
قراءة 3 دقائق
الحسين الزاوي

تأتي زيارة قداسة بابا الفاتيكان فرنسيس الأول إلى أبوظبي لتعيد التأكيد مرة أخرى على فلسفة العيش المشترك والإخاء التي تمثل أعلى مراتب القيم الإنسانية التي تتبناها دولة الإمارات العربية المتحدة بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة وكل إخوته الكرام في المجلس الأعلى للدولة في إمارات الخير والنماء، والتي سمحت لكل حواضر البلاد بأن تصبح في وقت قياسي، منارة وقبلة للتسامح وللتعايش ما بين الأديان والثقافات والأعراق في مجتمع عُرف منذ فجر التاريخ بقيم المحبة والكرم وحسن الضيافة والإحسان إلى الغير.
وقد أجمعت كل الأوساط السياسية والإعلامية على وصف زيارة البابا وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، بالتاريخية من منطلق كونها ترسِّخ مكانة الإمارات بوصفها دولة للتسامح والحوار الديني ما بين مختلف العقائد وفي مقدمتهما الإسلام والمسيحية بوصفهما أكثر الديانات عراقة وانتشاراً في منطقة الشرق الأوسط، وبخاصة أن زيارة البابا فرنسيس إلى أبوظبي تعد الأولى من نوعها لأكبر مرجعية دينية مسيحية في العالم إلى منطقة الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية التي تحتضن المقدسات الإسلامية الكبرى.
وأكد قداسة البابا في كلمته التي وجهها إلى كل فئات المجتمع الإماراتي من مواطنين ومقيمين، على أهمية هذا الحدث الاستثنائي الكبير الذي تستضيفه وترعاه الحكومة الاتحادية، ووصف فيها الإمارات بأنها نموذج للتعايش والأخوة والإنسانية، وعبّر من خلالها عن أمله في أن تمثل هذه الزيارة خطوة جديدة على درب الحوار والتقارب ما بين الأديان والشعوب.
وأبرزت كلمة قداسة البابا بكل جلاء فلسفة القيم الإنسانية التي بُنيت على دعائمها دولة الإمارات العصرية والحديثة، حيث قال بشكل واضح ولا لبس فيه، إن الإمارات هي أرض تعمل لأن تكون أنموذجاً للتعايش والأخوة الإنسانية ومكاناً للالتقاء ما بين مختلف الحضارات والثقافات، يعمل ويعيش فيها الجميع بكل حرية وكرامة في ظل الاحترام الكامل للتعدد وصون كل الاختلافات القائمة ما بين الأفراد بصرف النظر عن بلدانهم وجنسياتهم .
ويسعى البابا من خلال هذه الزيارة إلى إعطاء دعم كبير للحوار الإسلامي - المسيحي، وإلى دعم وتقوية علاقات الأخوة بين المسيحيين بشكل عام ودولة الفاتيكان بشكل خاص وبين كل الشعوب الإسلامية مشرقاً ومغرباً، حيث تتزامن زيارته للعاصمة أبوظبي مع استضافة الإمارات العربية المتحدة، المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية الذي يمثل أكبر تجمع في الوطن العربي للقيادات الدينية والرموز الفكرية والذي يشرف على تنظيمه مجلس حكماء المسلمين في العاصمة أبوظبي، كما سيمثل لقاء المرجعيتين الدينيتين الأكبر في العالم الممثلتين في شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان، فرصة لبحث سبل ترسيخ قواعد وأسس المحبة والتعايش والأخوة الإنسانية ما بين المسلمين والمسيحيين في كل أصقاع الأرض بالنظر إلى الأهمية القصوى التي تمثلها هاتان الديانتان السماويتان على المستويين الحضاري والثقافي.
ولأن الأخوة لا تلغي الاختلاف ولكنها تتعامل معه كعنصر إثراء للهويات الإنسانية المنفتحة على الغيرية، فإن مؤتمر أبوظبي سيعمل على دراسة ثلاثة محاور أساسية تتعلق بمنطلقات الأخوة الإنسانية والحوار المشترك والتعاون الهادف إلى تعزيز القيم المتبادلة بين مختلف الشعوب على اختلاف أديانهم وثقافاتهم، لأن هناك حاجة ملحة كما يقول قداسة البابا في أن تكون لدينا الشجاعة والإرادة الكافيتان من أجل تأكيد أن الإيمان بالله يوحّد ولا يفرِّق ويقرّب بالرغم من كل الاختلافات، ويبعدنا من ثم عن المواجهات وعن النفور والأحقاد.
ويمكن القول إن القيادة الحكيمة في دولة الإمارات العربية المتحدة استطاعت أن تؤسّس بتفوق واقتدار لمنظومة ناجحة وفعالة من سلم القيم الأخلاقية القائم على المحبة واحترام الغير وعلى تفهم واستيعاب الاختلاف واحترام وحماية الخصوصيات الوطنية دون إفراط أو تفريط، ووصلت فلسفة القيم الإنسانية في الإمارات بناءً على كل ما تقدم إلى اعتلاء منصة التفوق والعالمية، انطلاقاً من تحويل القيم المحلية الوسطية والمتسامحة إلى قيم كونية جامعة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"