فنزويلا والسيناريو الجديد

03:14 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

كعادتها دائماً تسعى الولايات المتحدة إلى التدخل في شؤون الأمم والشعوب الأخرى، حاملة شماعتها المعروفة، وهي الدفاع عن الديمقراطية. وها هي اليوم تلوح بنفس الشماعة في وجه جارتها الجنوبية فنزويلا، التي لطالما ناصبتها العداء، لأسباب سياسية وعقائدية، ورغبتها في إيجاد أنظمة تابعة لها في أمريكا الجنوبية، التي ترى فيها حديقتها الخلفية، كما هي الحال بتدخلها في العراق وسوريا وقبلهما في أفغانستان، وتدخلها فيما بعد في ليبيا وتونس وكذلك في أوكرانيا وغيرها من الدول. ها هي الإدارة الأمريكية الأكثر يمينية في تاريخ الولايات المتحدة، تسعى لاستغلال ما صنعته يداها من أزمة سياسية في كراكاس للإطاحة بنظام الرئيس الفنزويلي مادورو، الذي يمثل امتداداً لسياسة سلفه الراحل هوغو شافيز، معرضة البلاد لخطر الدخول في حرب أهلية، وهو ما دعا الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو جوتيرس، إلى التحذير من التصعيد، والدعوة إلى الحوار في فنزويلا لأن مثل هذا التصعيد يمكن أن يؤدي إلى كارثة.
موقف أمريكي رأت فيه روسيا هي الأخرى خطراً كبيراً، لا سيما مع تلويح واشنطن وبعض العواصم الغربية بالتدخل العسكري، متهمة الولايات المتحدة بانتهاك أحكام القانون الدولي من خلال تنصيب نفسها «حكماً» لتقرير مصير الشعوب الأخرى مشيرة إلى سعي واشنطن إلى «التخلص من الحكومة الفنزويلية التي لا تروق لها»..
وكما هي العادة تسعى واشنطن لتمرير مخططاتها من خلال استغلال الأوضاع الاقتصادية، التي لا يخفى على أحد أنها نتاج حرب اقتصادية تشنها منذ سنوات على النظام الفنزويلي منذ عهد هوغو شافيز، علماً بأن فنزويلا تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم. كما أنها تحتل المركز الثالث بين الدول صاحبة أكبر نسبة ذهب في احتياطيات العملة، حيث كانت تمتلك 367 طناً من الذهب.
وإذا ما أخذنا بالاعتبار الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفنزويلية، ولا سيما كبح أنشطة الشركات الخاصة، ومصادرتها أخيراً مصنع سيارات شركة جنرال موتورز الأمريكية العملاقة، وغيرها من الإجراءات الاقتصادية ذات الطابع الاشتراكي، نستطيع فهم الأهداف الأمريكية الحقيقية في هذا البلد، والتي لا تبتعد عن رغبة الولايات المتحدة في الهيمنة الاقتصادية على العالم، وبشكل خاص على القارة الأمريكية، وجيرانها الأقرب.
وكما هي الحال في السيناريوهات المشابهة، تقوم الماكينة الإعلامية الغربية، التي تأتمر بأمر واشنطن، بتأليب الرأي العام الفنزويلي، وتجييش مشاعر العداء ضد حكومة ورئيس منتخبين، ويمثلان الشرعية في البلاد.
ولجأت بعض وسائل الإعلام الغربية إلى الحديث عن ارتفاع عدد جرائم القتل في فنزويلا في العام الماضي إلى ألف و479 جريمة، وهي أرقام قد لا تكون موثقة، علماً بأن ظاهرة العنف والإرهاب الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية تعد من أهم وأخطر الظواهر، التي تهدد حياة الكثير من البشر هناك، حيث تعد الولايات المتحدة صاحبة أعلى نسبة في ارتكاب الجرائم بين جميع دول العالم، ناهيك عن انتشار الأسلحة وارتفاع معدلات الفقر والبطالة والإدمان وانتشار العصابات.
وقد أشار التقرير السنوي لمكتب التحقيقات الفيدرالية (إف بي آي) في عام 2017 إلى وقوع مليون و248 ألفاً و185 جريمة عنف في أنحاء البلاد، أي بمعدل 386.3 جريمة من هذا النوع بين كل 100 ألف شخص، وتشمل جرائم العنف، القتل العمد، والقتل عن طريق الخطأ، والاغتصاب.
وبغض النظر عن هذه المقارنات والمفارقات التي يفرضها الهجوم الإعلامي الغربي، على كل بلد تستهدفه الأطماع الغربية، والتي باتت مألوفة لدى العالم، يمكن القول إن فنزويلا التي باتت الآن في عين العاصفة الأمريكية، مهددة بمخاطر كبيرة تعيد إلى الأذهان ما حصل في العديد من دول المنطقة العربية، وهو ما يبدو أن الرئيس مادورو يدركه ويستعد له أيضاً، حيث أعلن عن البدء في أكبر مناورات عسكرية تشهدها البلاد بهدف تعزيز القدرة الدفاعية للبلاد ضد التهديدات الخارجية المحتملة.
وكان الرئيس الفنزويلي اتهم الجمعة الجيش الكولومبي بتدريب فنزويليين بهدف القيام باستفزازات تؤدي إلى اندلاع نزاع مسلح بين البلدين، وقال مادورو إن الهدف من ذلك هو استخدام هؤلاء في هجمات ضد القوات المسلحة الكولومبية «على أنهم عناصر من الجيش الفنزويلي».
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: هل ستنجو فنزويلا من المخططات الغربية ضدها أم أنها ستضاف إلى قائمة الدول التي دمرتها المؤامرات الغربية ؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"