في أبعاد تدخل غربي مرتقب

03:18 صباحا
قراءة 4 دقائق
أسفر اجتماع دول الناتو الثماني والعشرين في ويلز/بريطانيا الجمعة الماضية 5 سبتمبر/أيلول الجاري عن توجه واضح ومعلن عبّر عنه الرئيس باراك أوباما لمواجهة تنظيم داعش عسكرياً، إضافة إلى تجفيف الموارد المالية للتنظيم، وبذل الجهود الدبلوماسية . الرئيس الأمريكي وصف التنظيم بأنه "خطر على الغرب" . ومع ان خطورة هذا التنظيم تتعدى مناطق معينة في العالم، إلا ان الحديث كان موجهاً أساساً إلى دول الغرب وشعوبها وفي اجتماع عالي المستوى ضم كبار قادتها .
تدخل الناتو على نطاق واسع لن يكون وشيكاً ولكنه قريب، فحسب توضيحات أوباما في القمة الأطلسية فإن إقرار هذا التوجه ينتظر الالتئام السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، وعلى الأغلب، من أجل استصدار موقف أممي يدين التنظيم ويدعو لمواجهته ويشرّع هذه المواجهة، كما ينتظر التدخل مزيداً من المشاورات مع دول عربية . فيما تتواصل الغارات الأمربكية منذ الثامن من أغسطس/آب الماضي ضد مواقع وتحركات لداعش في العراق . وكانت دول غربية منها بريطانيا وفرنسا قد أعربت على لسان مسؤوليها عن استعدادها للمشاركة في أي جهد عسكري ضد هذا التنظيم "الذي يتوسع في الشرق الأوسط" .
عودة الناتو إلى نشاطه في المنطقة العربية، تأتي في غمرة تحولات شهدتها هذه المنطقة خلال السنوات الأربع الماضية تتمثل في استشراء العنف المنفلت من كل عقال، والذي يهدد أساساً شعوباً عربية قبل تهديده للغرب . كما يهدد سواد المسلمين وغيرهم الذين لا يرتضون مماشاة هذه الموجة من العنف الوحشي المقترن بإثارة النعرات الدينية والطائفية . ولئن كانت هذه الموجة غريبة عن البيئة العربية، فإن مواجهة تتم بينها وبين قوة غير عربية، ولو على أراضٍ عربية، لا تثير أي قلق إن لم تحمل على الاستحسان، وعلى قاعدة أن درء المفاسد أولى من جلب المنافع .
التدخل الغربي المرتقب في منطقتنا لن يكون الأول من نوعه، وكان من أوضح حلقاته الحرب التي أدت لاستعادة الكويت من قوات صدام حسين، وبمشاركة أطراف عربية، وكذلك التدخل لوقف المذابح التي ارتكبها، والتي كان يستعد معمر القذافي لارتكاب المزيد منها ضد شعبه . ومن المفارقة ان تتجدد النداءات من مسؤولين ليبيين في الآونة الأخيرة لتدخل دولي يضع حداً لحكم الميليشيات في هذا البلد . وهو ما أبدى مسؤولون غربيون تردداً وصل حد الممانعة حياله مع التعويل على دور قد تؤديه دول الجوار كونها تتأثر مباشرة بتدهور الوضع الليبي .
في هذه الأثناء صرّح ناطقون أمريكيون بأن واشنطن لن تنسق مع دمشق، أو مع طهران بخصوص حملة عسكرية مرتقبة، تشمل مناطق في العراق ابتداء، ومرشحة للتمدد باتجاه الأجواء السورية، وهو ما عبّرت عنه بخصوص إيران المتحدثة بلسان الخارجية الأمريكية ماري هارف الجمعة الماضية . ولعل الغرض من ذلك هو تفادي خلط الأوراق السياسية والعسكرية في المنطقة، وأن لا تؤدي مثل هذه الحملة إلى تعزيز مواقع طرف إقليمي في المنطقة لا يكتم نزعته التدخلية، التي تسهم في إدامة النزاعات والتوترات الداخلية في غير بلد عربي .
من الواضح الآن، وفي هذا الظرف بالذات( ظرف توسع داعش واستشراء خطره) أن أية معارضة لتدخل محتمل لن تلقى أذناً صاغية، ولن تثير تجاوباً يُذكر، ذلك أن البديل لهذا التدخل الواسع هو استمرار هذا الخطر، بما يحمله من محاذير تفوق الوصف وتهدد المجتمعات في صميم امنها وسلامها ونسيجها المستقر . وكان الأمل أن تتمكن دولنا ومجتمعاتنا من تطويق هذا الخطر ووضع حد له في بواكيره، غير أن التشرذم الذي أصاب النسيج الاجتماعي والوطني ووقوع الانشطارات التي باتت معروفة، وضعف التمثيل السياسي للحكومات، قد أدى إلى ضعف المناعة الداخلية التي أفاد منها هذا التنظيم وجماعات أخرى متشددة
أمام هذا التطور المرتقب لحملة عسكرية غير مقترنة على الأرجح بقوات برية على الأرض، فإن أفضل مشاركة عربية في التصدي لداعش تتمثل في مغادرة التطرف ومناوأته مناوأة فعلية وذلك من أجل وضع حد للبيئة المولدة للعنف . التقارير الواردة من العراق تشير إلى توجه نحو تشكيل حكومة ائتلافية موسعة، واختيار قيادات لوزارة الدفاع ذات اهلية مهنية ومناقبية وطنية وتحظى بتوافق داخلي، وهو ما يجعل من التصدي لداعش مهمة وطنية بالفعل، تصب في مصلحة العراقيين جميعاً، وتسهم في بناء الدولة وتعزيز الوحدة الوطنية، وليس مثلاً في تقوية ميليشيات منغمسة في الصراعات الأهلية، اياً كانت هذه الميليشيات والتي طالما حظيت بدعم داخلي وخارجي .
شيء من ذلك يتمناه المرء لسوريا، لكن المعادلات الصفرية القصوى ما زالت تحكم الصراع في هذا البلد . بما يجعل من التصدي لداعش علاجاً لحلقة ثقيلة من سلسلة حلقات، وهو أمر ليس سيئاً بحد ذاته .
وفي جميع الأحوال فإن الأهوال التي تفوق التصور (رغم وقوعها بالفعل!) والتي شهدتها دول ومجتمعات عربية على مدى السنوات الثلاث الأخيرة على أيدي قوى محلية ، تظل أكبر بكثير وأشد وطأة بما لا يقاس، من أية أضرار جانبية لأي تدخل خارجي كالتدخل الغربي المرتقب، وهو ما يجعل من هذا الإجراء أهون الشرّين، إن لم يكن "الشر الذي لا بد منه" .

محمود الريماوي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"