لا تقدم من دون أداة سياسية

04:51 صباحا
قراءة 3 دقائق

في منتدى الإعلام العربي الذي انعقد منذ بضعة أيام في دبي، طرح موضوع شروط انتقال الوطن العربي من تخلفه الحالي إلى ساحة التقدم العولمية . البعض اشترط إجراء اصلاحات كبرى عميقة في حقلي التعليم والإعلام كمدخل لذلك الانتقال . وعندما بحث موضوع التطور الإعلامي في الدول الآسيوية الكبرى صاح أحدهم بأن المدخل لوصول العرب إلى تطور إعلامي مماثل هو توقفهم عن طرح الايديولوجيات والشعارات الفارغة .

لا توجد اشكالية مع الطرحين السابقين، غير أنهما ناقصان . انهما لا يتطرقان للأسباب التي تقف وراء التقدم عند البعض والتخلف عند البعض الآخر، فالتطورات الكبرى في المجتمعات لا تحدث من نفسها وإنما إرادة سياسية وقرارات وأنظمة مجتمعية توجدها في الواقع . وبمعنى واضح ومباشر فإن وراءها أنظمة حكم تهيئ كل الظروف المطلوبة لإحداث التقدم والتطور والنماء .

إن الإنسان العربي ليس خارج الطبيعة الإنسانية، والمجتمع العربي تحكمه نفس القوانين الاجتماعية التي تحكم المجتمعات الأخرى، وعندما يعيش الإنسان العربي في مجتمعات متقدمة تتفجر طاقاته انتاجاً وابداعاً وحيوية . إذن فمناحة جلد الإنسان العربي ومجتمعه تتوجه إلى غير الهدف الذي يجب أن نتوجه إليه . فالهدف الذي يجب أن ينتقد بشدة، ويجب أن يطاله الاصلاح، هو النظام السياسي، الفاقد للإرادة السياسية المطلوبة، غير القادر على تفجير طاقات الابداع في المجتمع الذي يدير، المشغول عن خوض معارك التقدم والتطوير بصراعاته مع هذه الجهة أو تلك على مستويات السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة .

أي محاولة للالتفاف على هذه البديهة، سواء باسم العلم أو الليبرالية والحداثة، ستكون صرخة في وادي العبث، فطرق التغييرات الكبرى، في ظل الحقول الحياتية، تمر في ساحة السياسة أولاً، ثم تتفرع إلى ألف طريق فرعي من طرق الاصلاح والنماء .

وفي الساحة السياسية العربية فإن التقدم الذي يحلم به الكل أمامه أبواب مغلقة . هناك المحاولات الخارجية التي تسعى بألف طريقة لمنع المجتمعات العربية من النهوض حتى تبقى ساحة للاستغلال الاقتصادي والهيمنة السياسية والوجود العسكري ونهب الثروات الطبيعية من باطنها، وعلى الأخص البترول والغاز .

وهناك الحكم غير الديمقراطي الممعن في قطريته وابتعاده عن أمته، القامع للحريات المطلوبة لأي ابداع، المتوجس شراً من نهوض من يحكم . هناك المجتمع الضعيف العاجز المنقسم على نفسه على مستويات الدين والمذهب والعرق والجنس، والراضي بأن يعيش على فتات العطايا والريع والمكرمات بدلاً من الانتاج والدفاع عن الحقوق وعدالة التوزيع .

المجتمعات الغربية والآسيوية والأمريكية الجنوبية والإفريقية التي تقدمت وتطورت، في حقول مختلفة، بمستويات متباينة، بسرعات صاروخية أو بطيئة قادتها أنظمة سياسية وإدارية نحو ذلك . من دون تغيرات سياسية إدارية لم يعرف التاريخ تطوراً وتقدماً . التعليم الابداعي الرفيع المستوى، الحرية الأكاديمية والبحثية في الجامعات ومراكز الدراسات والبحوث، النظام السياسي العاقل الملتزم بأحداث التغييرات الكبرى . . جميعها تحتاج إلى من يتبناها ويغرسها في المجتمع، أي إلى سلطة الدولة المسؤولة أمام مجتمعها والخاضعة للمساءلة والمحاسبة عند التقصير . عند ذلك فقط تصبح النصائح والتمنيات مرتبطة بالواقع وقابلة للتحقق .

في الأرض العربية لم تعد القضية هي معرفة طرق التقدم، فتاريخ الإنسانية والأمثلة التي نشاهدها أمامنا في كل مكان قد أشارت منذ أمد طويل إلى المسالك التي تقود إلى الصعود . القضية هي ايجاد الأداة المجتمعية الفاعلة التي تقلب الأحلام والرغبات والأقوال إلى واقع يلمسه المواطن .

للعالمة الأمريكية مارجريت ميد قول: لا تراودك الشكوك أبداً من أن مجموعة صغيرة ملتزمة من المواطنين تستطيع تغيير العالم . أين هي هذه المجموعة في أرض العرب؟ وهل أولئك الذين تعودوا على المشي في الطرقات السهلة سيتركونها تشق الطرقات الوعرة؟ ذلك هو السؤال .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"