لا مكان للصهاينة في الحملة على “داعش”

05:11 صباحا
قراءة 4 دقائق
هناك طريقة مثالية ونموذجية من وجهة نظر صهيونية عبّر عنها وزير الداخلية الصهيوني المستقيل جدعون ساعر بقوله: إن الأردن قد يكون عاجزاً عن التصدي ل"داعش"، بما يثير مخاطر تمدد هذا التنظيم عبر الحدود وهو ما يملي ضرورة ضم غور الأردن (المقصود من الجهة الفلسطينية) إلى "إسرائيل" .
بهذا تتم ترجمة وجود "داعش" وتمدده، إلى جعله ذريعة للتوسع في الأراضي المحتلة وضم أراض فلسطينية إلى الكيان الصهيوني . كل شيء يمكن أن يشكل ذريعة للتوسع: وجود حماس، تحريض السلطة ضد الاحتلال، "داعش" والقاعدة . علماً بأن تنظيم "داعش"، كما تنبىء تحركاته وبرامج انتشاره، لا يضع الاحتلال على أجندته، حتى إن هناك أقوالاً منسوبة لقادة في التنظيم قالوا فيها "إن الله لم يأمرنا بقتال "إسرائيل""! .
مع ذلك، فإن "تل أبيب" تحلم وتهجس دائماً بأن لا يملك العرب والمسلمون قطعة سلاح واحدة، وأن يقتصر التسلح على كيانها . فإذا ما نشأ أي تنظيم مسلح في الديار العربية والإسلامية، فإن المطلوب من حامليه أن يوجهوه إلى أشقاء وشركاء لهم في الوطن، وأن يتخلوا في ما بعد عن هذا الأسلحة .
إضافة إلى تفوهات الوزير المستقيل بخصوص الأردن وعجزه المزعوم عن الدفاع عن نفسه والتي دحضتها الوقائع، فإن ظهور "داعش" وفّر للاحتلال فرصة النفخ في العداء للإسلام والمسلمين، ولكل ما هو إسلامي، واعتبار الصراع مع هؤلاء هو الأولوية التي يجب أن يتجند لها العالم كله . وهذا رأي صهيوني قديم، سابق على نشوء "داعش"، لكن ظهور هذا التنظيم الإرهابي منح فرصة جديدة للصهاينة كي يصرفوا أنظار العالم عن احتلالهم لأراضي الغير، والتركيز على أمور أخرى، ومنها الادعاء بأن كل جماعة إسلامية فلسطينية وعربية هي "داعش"، وفي هذا قال نتنياهو إن حماس هي "داعش"، وقد رد ناطق باسم الحركة (سامي أبو زهري) قائلاً: إن هذه الاتهامات لا تنطلي على الدوائر الغربية، ودعا الغرب إلى تحمل مسؤولياته تجاه الإرهاب "الإسرائيلي" البشع وغير المسبوق في العصر الحديث . فيما رد النائب في الكنيست محمد بركة وزعيم الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، بالقول إن الأقرب إلى "داعش" هي حكومة نتنياهو، التي سبقت هذا التنظيم في اقتراف الفظائع، وما زالت جرائمها ضد المدنيين في غزة ماثلة في الأذهان .
على أن "تل أبيب" لا تجد لها بعدئذ مكاناً أو دوراً في الحملة على هذا التنظيم، ولا طلب عليها بهذا الخصوص حتى من أوثق حلفائها الأمريكيين، فنشاط "داعش" بعيد عن الأراضي المحتلة، حتى إن صحيفة "هآرتس" كتبت خلال الحرب على غزة "إنه شيء رائع ان تُضرب غزة ولا يهدد "داعش" "إسرائيل"" والصهاينة المنتفخون بالتطرف والذين سبقوا أن سوّغوا الإرهاب على المدنيين وقد مارسوه بلا انقطاع منذ نشأة كيانهم على أرض فلسطين، هم آخر طرف في الكون قد يقترن اسمه بالخطأ بالاعتدال! . وهو مايجعل زعماء "تل أبيب" يتخبطون ويُلقون كلمات في الهواء ويسعون سعياً محموماً للفت الأنظار إليهم بالزعم أن "داعش" يستهدفه، وأن الحملة على التنظيم هي حملتهم، فيما المحاكم الدولية ما زالت تنتظر تحريك قضايا ضد الجيش الصهيوني وحكومة نتنياهو للمساءلة عن الجرائم التي ارتكبت بحق مدنيين ومرافق مدنية المرة تلو المرة في غزة، وأماكن أخرى في الأراضي المحتلة .
إن توقيع العقاب بمجرمٍ ما مثل "داعش"، لا يجُبّ جرائم مجرمين آخرين مثل الصهاينة الذين يتمادون في سلب حقوق الغير، ثم إنكار هذه الحقوق والسعي إلى الفتك بأصحابها .
لقد تغذى "داعش" في أيديولوجيته الدموية من بيئة شرق أوسطية زاخرة بعقائد العنف والكراهية والتحريض عليهما، ويتصدر الإرهاب الصهيوني منذ نحو قرن من الزمن، مصادر الإرهاب ومنابعه الأولى، ووقائع التاريخ لا يطمسها تدليس المدلسين، حتى إن نفراً من الصهاينة ومن اليهود غير الصهاينة أقروا بالكثير من هذه الوقائع: "إسرائيل" شاحاك، شلومو ساند، ايلان بابيه، المحاميتان ليئا تسيمل واليفرا باتيشكو، حركة ناطوري كارتا اليهودية التي لا تعترف بالصهيونية، وشخصيات أخرى عدة، ومثل هؤلاء، وبعضهم راحلون، يُحرمون أو حرموا من الظهور في وسائل الإعلام في "واحة الديمقراطية" .
من السخف المتهافت الادعاء الصهيوني بالحرب على الإسلام السياسي المتطرف ومثاله الحالي "داعش" . واقع الأمر أن أصوليين يهود يعتنقون الصهيونية خاضوا، ويخوضون الحرب ضد شعب آخر هو شعب فلسطين بكل مكوناته الدينية والطائفية والاجتماعية، ومقابل الإسلام السياسي المتطرف هناك الأصولية اليهودية المتطرف التي تشن حرباً دينية على غير اليهود في سبيل الاستيلاء على أراضيهم .
لا مكان للصهاينة في الحرب على "داعش"، ومثل هذه الحرب كان حريّاً بها أن تستهدف التطرف الصهيوني الحاكم في "تل أبيب"، لو أن المعادلات كانت في عالمنا غير المعادلات القائمة . ولو كانت الولايات المتحدة تقف ضد كل إرهاب، أياً كان مصدره ولبوسه، لا أن تقتصر حملاتها المحقة على إرهابٍ ما، وتستثني إرهاباً آخر أقدم عهداً وأشد خطورة وأفدح في نتائجه .

محمود الريماوي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"