لعبة عصية على الفهم

03:04 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود حسونة

ليس مفاجئاً أن يرسل الرئيس أردوغان ما يملكه من آليات عسكرية وجنود إلى سوريا، في محاولة منه، لوقف انتصارات الجيش السوري في معركته؛ لتطهير إدلب وحلب من الإرهاب التكفيري الذي عشش هناك منذ عام 2012. فهو من جلب الإرهابيين من أطراف العالم، وأطلقهم على الأرض السورية، وتعهد لهم بالحماية وقت اللزوم، متوهماً أن تفاهماته مع روسيا، ستضمن له السطو على سوريا، والتحكم في المنطقة، متناسياً براجماتية بوتين الذي لا يقبل من الأشد قرباً منه أدنى تجاوز على مصالحه.
على مرأى ومسمع من العالم، يستخدم أردوغان منذ مؤامرة «الربيع العربي»، الإرهابيين الذين يأويهم في بلاده ورقة يهدد بها العالم، ابتداء من سوريا والعراق ومصر وغيرهم، ومروراً بأوروبا، وليس انتهاء بليبيا والقرن الإفريقي. وبعد أن كان اللعب بهذه الورقة يتم سراً، أصبح على المكشوف، بلا اعتبار لقانون دولي، ولا منظمات عالمية، ولا قوى كبرى، متوهماً أنه الكبير الذي لا راد لإرادته، ولا رادع لتهوره.
وبعد أن كانت تركيا محطة ترانزيت للإرهابيين، تستقبلهم على أرضها، وتوزعهم في العراق وسوريا، بما يخدم مصالحها، ويحقق أهدافها، تحولت إلى مصنع؛ لتفريخ الإرهاب؛ وتدريب الإرهابيين، وإعادة توزيعهم إلى المناطق التي تسعى لإشاعة الفوضى فيها حول العالم، وكان الخيار الأردوغاني بعد دولتي الجوار (سوريا والعراق)، هو ليبيا؛ تنفيذاً لاتفاقه مع السراج؛ سعياً لنهب خيرات البر والبحر فيها، والتحكم في قرارها، وإزعاج دول جوارها، وأملاً في استعادة أوهام الإمبراطورية العثمانية البائدة، من البوابة الليبية في إفريقيا، ومن البوابة السورية في آسيا.
بعد 48 ساعة فقط، من توحد العالم ضد مغامراته في ليبيا، ورضوخه، ووعده خلال مؤتمر برلين بالتوقف عن إرسال عناصر مرتزقة وأسلحة إلى ليبيا، نقض الوعد وعاد لإرسال إرهابييه وأسلحته إلى ليبيا.
بعد ليبيا، اتجه إلى الصومال؛ ليعبث من خلالها في القرن الإفريقي والبحر الأحمر، بدعوى التنقيب عن الغاز والنفط في مياهها الإقليمية؛ وذلك بعد أن أفشلت الثورة السودانية مخططه في جزيرة سواكن؛ إثر إزاحة نظام البشير «الإخواني»، والقضاء على حلم سلطان الأوهام العثمانية.
الصومال ليست هي الهدف الأسمى لأردوغان؛ لكنها مجرد محطة وضع عينيه عليها منذ عام 2011، ليعود إليها إذا أُغلقت في وجهه الأبواب الأخرى؛ وبعد أن أزاحت مصر جماعة «الإخوان» الإرهابية عن مركز صناعة القرار، وفضحت مخططاتها ومؤمراتها لتدمير الدولة، وبعد أن خلع السودانيون نظام البشير، لم يجد سلطان الوهم أمامه سوى ليبيا والصومال أملًا في أن تكونا محطتين لنشر الفوضى في محيطهما، ونقطتي انطلاق لأطماعه في المنطقة.
أما أوروبا، فبعد أن أصبح أردوغان عنصراً غير مرغوب فيه في الاتحاد الأوروبي، وعارض قادتها طموحاته التوسعية، رافضين إجراءاته القمعية في حق شعبه؛ ولأنه نجح في ابتزازهم عام 2015 بورقة اللاجئين السوريين، عاد لابتزازهم مرتين متتاليتين خلال الأسابيع الماضية، الأولى بنفس الورقة القديمة، وهي فتح الحدود مع القارة العجوز أمام 3.6 مليون لاجئ سوري، وإرسال «دواعش» سوريا الأجانب إليهم إذا لم يدعمونه مادياً؛ لانتشال اقتصاده من الانهيار، والثانية بورقة ليبيا وتهديدهم بعبور المسلحين المتواجدين فيها إلى دولهم إذا لم يدعموا السراج؛ ولأنه طبيعياً ألا يلدغ قادة أوروبا من نفس الجحر مرتين، ويقبلوا بأن يكونوا لقمة سائغة في فم راعي الإرهاب حول العالم، كانت الطريقة التي عومل بها في مؤتمر الناتو بلندن وفي مؤتمر برلين حول ليبيا مؤخراً؛ حيث بدا أمام العالم منبوذاً ومرفوضاً من الجميع.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل يكفي النبذ وسيلة للتصدي لمغامرات رئيس مهووس بنشر الفوضى في آسيا وإفريقيا وأوروبا، حسب المعلن؟ وإلى متى تظل الدول الأوروبية عاجزة عن اتخاذ إجراء رادع له؟ ومتى يتحول غضب الدب الروسي المؤقت من أفعاله في سوريا وطموحاته في ليبيا إلى غضب دائم وإجراء حاسم، وإلى متى تواصل الولايات المتحدة سياساتها المبهمة معه، والتي تنهره حيناً وتدعمه أحياناً؟
لعبة أمريكا وأوروبا مع أردوغان أصبحت عصية على الفهم، وتستوقف جميع المتابعين حول العالم. وأردوغان أصبح قنبلة موقوتة، جاهزة للانفجار وإشاعة الفوضى في أي مكان.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"