لمَ غيابنا عن قائمة الصاعدين؟

05:51 صباحا
قراءة 3 دقائق

لا أعرف إن كان المسؤولون العرب الكبار يتابعون المناقشات الجارية في مختلف وسائل الإعلام الغربية، عمن سيخلف الاقتصاد الأمريكي المأزوم أو على الأقل ينافسه في القدرات وفي التأثير الفعال في الساحة الاقتصادية الدولية، وذلك بأن مقولة مات الملك، يعيش الملك الشهيرة مثلما تنطبق على عالم السياسة فإنها كذلك تنطبق على عالم الاقتصاد. ولا أدري إن كان أولئك المسؤولون يشعرون بالحسرة والمهانة مثلنا، عندما يسمعون قائمة أسماء الدول المرشحة للصعود الاقتصادي خلال النصف الأول من هذا القرن، فلا يجدون من بينها أياً من أقطار الوطن العربي، ولا أياً من تكتلاته الإقليمية بما فيها تلك التي تسبح في بحر من الثروة البترولية.

المناقشات تلك تمثل إشارة رمزية جديدة للهوان العربي المتعاظم، وتستجدي الإجابة عما تطرحه من أسئلة. إذ كيف تفشل أمة في الدخول في السباق الاقتصادي مع الأمم الأخرى الناشئة الصاعدة، مثل الصين والهند وكوريا والبرازيل وغيرها، وهي الأمة التي سيكون دخلها من البترول وحده خلال نصف القرن القادم عشرات التريليونات من الدولارات، وهي الأمة التي فيها قوى بشرية مؤهلة معقولة، وفيها ثروات طبيعية وغير طبيعية متكاملة كثيرة أخرى؟ التحديات والأسئلة التي تطرحها مناقشات الآخرين وتجاهلهم التام لأية إمكانات مستقبلية في بلداننا يجب أن تكون الخلفية التي ستنطلق منها مداولات رؤساء الدول، سواء في قمة دول مجلس التعاون أو في قمة الدول العربية جمعاء. فالتهميش الذي فرضه الآخرون علينا وفرضناه نحن على أنفسنا أصبح محنة يجب تجاوزها.

دعنا نمعن النظر في النقاط التالية:

أولاً: قبل انعقاد مؤتمر قمة العشرين في واشنطن للتداول حول الأزمة المالية العولمية الحالية نشر أربعون من كبار المفكرين والأساتذة الاقتصاديين الأمريكيين كتاباً مفتوحاً موجهاً للمجتمعين في واشنطن تضمن ثلاث توصيات أساسية. الأولى تشير إلى ضرورة الانتهاء من عصر هيمنة أي عملة، مهما كانت قوتها، على نظام النقد الدولي. والثانية تحذر من السماح لأنظمة تحرير التجارة الدولية من تعطيل القدرات الاقتصادية المحلية، والثالثة، المرتبطة بالثانية، تؤكد أهمية عدم السماح لحرية انتقال الشركات الدولية من يؤدي إلى زيادة في البطالة، وأن يكون هدف الحكومات هو عدم وجود أية بطالة بين القوى العاملة في مجتمعاتها. تلك توصيات صدرت عن أناس اكتووا بنار الليبرالية العولمية المتوحشة التي أطلقتها بلادهم ويمكن أخذها على محمل الجد. فبلدان البترول العربية يجب أن تخرج من ربط عملاتها بالدولار الأمريكي الدائم التذبذب والمشكلات. وبلدان الأمة العربية يجب أن تحمي مؤسساتها الوطنية الضعيفة الناشئة من مزاحمة ونهم المؤسسات الدولية العملاقة العابرة للقارات. وعند جذبها للاستثمارات الخارجية مطلوب ألا تكون قط على حساب القوى العاملة الوطنية ومؤدية إلى زيادة في البطالة. ولعل القادة العرب يتخذون قراراً بالانضمام إلى الذين يودون إجراء مراجعة جديدة لكل الأسس التي قام عليها النظام الاقتصادي العولمي عبر العقود الثلاثة الماضية، بما فيها مراجعة جادة لمقررات منظمة التجارة العالمية واتفاقات مناطق التجارة الحرة مع هذه الدولة أو تلك.

* ثانياً: ليحاول القادة التمعن في هذا السؤال: لو أن أموال البترول الفائضة وأموال مؤسسات وصناديق العرب الاستثمارية توجهت إلى الأرض العربية، وحاولت المساهمة في تنمية الزراعة والصناعة والبنية التحتية والسياحة والتنقل والتواصل المعرفي وغيرها، وذلك بدلاً من توجهها نحو البورصات العالمية والمغامرات العقارية في كل أصقاع العالم وبنوك الاستثمارات المخاطرة المغامرة المجنونة، أما كانت تلك الأموال اليوم في مأمن مما أصاب العالم من الخسائر الهائلة التي امتدت لتشمل الاقتصادات العربية؟ أليس في ذلك عبرة لأن نبدأ بالتفكير الجدي في وظائف الثروة العربية، وفي الاستفادة منها للدخول في قائمة القوى الاقتصادية الصاعدة التي يتحدث عنها العالم الآن؟

نعلم بأن بصيرة المسؤولين العرب لم تستطع بعد أن تفهم طبيعة قوى العصر الذي نعيش، ولكن الأزمة العالمية الحالية لا تحتاج إلا لبصر يرى ما حوله، فهلا فتحنا عيوننا لرؤية ما أصبح بديهياً من مصلحتنا؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"