الإماراتي في العطاء الإنساني أضحى موضع تقدير على المستويات العالمية والإقليمية والمحلية كافة. وما الجهد التاريخي للإمارات في مجابهة مرض شلل الأطفال والقضاء عليه إلا مثالٌ آخر على ذلك.
يوماً بعد يوم تؤكد دولة الإمارات العربية أنها واحة الخير والنموذج الحضاري والإنساني للتضامن مع العالم بعدما فرضت نفسها كشريك نشط وكفء وفعال في المجتمع الدولي في إطار جهوده لمكافحة فيروس كورونا المستجد كوفيد - 19، ذلك الوباء الذي جعل العالم يمر بواحدة من أحلك اللحظات في تاريخ البشرية.
وسيؤكد التاريخ أن ما قامت به الإمارات من الاستجابة السريعة المتسمة بالانفتاح والشفافية في مواجهة ذلك الوباء ومساعدة دول العالم طبيا، أسهم في الحفاظ على عدد لا يحصى من الأرواح. وتنطلق واحة الخير الإماراتية من رؤية استراتيجية إنسانية تنطلق من أن العالم في ظل التحديات التي تواجهه اليوم يحتاج إلى التعاون والتكاتف بشكل لم يسبق له مثيل من قبل؛ فدولة الإمارات أرسلت مئات الأطنان من المساعدات الطبية إلى عشرات الدول التي تتعرض لمحنة الوباء، واستفاد منها مئات آلاف العاملين في المجال الطبي، ما دعا مدير عام منظمة الصحة العالمية إلى تقديم الشكر لدولة الإمارات على تضامنها مع البلدان الإفريقية في هذه اللحظة الحرجة.
وفي هذا الصدد، جاءت مبادرة الإمارات بإجلاء رعايا عدد من الدول الشقيقة من مقاطعة هوبي الصينية بؤرة تفشي وباء كورونا إلى «المدينة الإنسانية» في أبوظبي، وتلك المبادرة الإنسانية الجسورة جاءت في ظل حالة القلق المتنامي حول العالم من جراء هذا الوباء.
إن كل المبادرات الإنسانية العالمية لدولة الإمارات تأتي في سياق إرث إنساني صنعته الإمارات منذ تأسيسها. جناحاه الإخاء والتضامن والتحرك صوب السلام والاستقرار كمسؤولية في إطار تلك المحددات لأصول علاقاتها الدولية.
إنها رؤية إنسانية تتعرف على أن لكل أزمة صحية عالمية أوصافها ولكل وصف حكمه وكل حكم ينصرف إلى محله بشروط وحقائق وأسباب، إن النموذج الإماراتي في العطاء الإنساني أضحى موضع تقدير على كافة المستويات العالمية والإقليمية والمحلية. وما الجهد التاريخي للإمارات في مجابهة مرض شلل الأطفال والقضاء عليه إلا مثالٌ آخر على ذلك. وتعكسها إشادة رجل الأعمال الأمريكي بيل جيتس بالجهد الإماراتي، وبجهود صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في مكافحة شلل الأطفال على مستوى العالم.
هي قصة نجاح عالمية وتاريخية ستبقى نبراسا، فبفضل الجهود الدولية وشراكة الإمارات، حقق العالم تقدما مذهلا نحو القضاء على شلل الأطفال. وهذا إنجاز تاريخي لأنه لم يحمل أي مرض من المخاوف ما حمله شلل الأطفال. الشلل والموت والمخاطر الكبرى من هذا المرض. ومن المحتمل أن أشهر ضحية لمرض شلل الأطفال في الولايات المتحدة، وربما حتى في العالم، هو الرئيس فرانكلين روزفلت الذي أخفى مدى إعاقته عن الجمهور خلال فترة رئاسته. وكان شلل الأطفال أكثر أمراض الطفولة رهبة في القرن العشرين.
إن الإمارات بإرثها في العمل التطوعي الخيري تتناغم مع تصاعد دور ومفهوم مؤسسات العمل الخيري في العالم، حيث كان الحد من الفقر العالمي فيما مضى معركة تمولها البلدان الغنية بدعم من المنظمات الدولية كالأمم المتحدة والبنك الدولي، لكن الزمن يتغير فالمساهمات الخيرية التي تقدمها مؤسسات خيرية تحظى حاليا بقدر أكبر من الاهتمام في الصراع ضد الفقر.
وتشمل نطاق المساعدات التدفقات المالية للاقتصادات النامية بغرض الحد من الفقر أشكال المساعدات كافة من المنح إلى استثمارات القطاع الخاص. والمنح بالطبع تكون بالكامل في شكل دعم للحكومات أو المنظمات غير الحكومية بغرض تقديم خدمات أو تحويلات.
وفي منتصف نطاق المساعدات تأتي الاستثمارات التي تهدف إلى توليد عائدات اجتماعية تفوق عائداتها الخاصة - في شكل قروض للحكومات أو حصص ملكية أو قروض للشركات الخاصة. وقد تنشأ هذه المنافع الاجتماعية الصافية عن طريق مؤثرات خارجية إيجابية مثل خفض البصمة الكربونية أو الحد من الأمراض المعدية. وفي الطرف الآخر من نطاق المساعدات تأتي الاستثمارات الخاصة التي تولد عائدات خاصة فقط، يستفيد منها المستثمر والشركة، وعملاء الشركة، ولا يشتمل نطاق المساعدات على استثمارات تنشأ عنها مؤثرات خارجية سلبية، أي تقل عائداتها الاجتماعية عن عائداتها الخاصة؛ فقد أصبح العمل الخيري الآن جزءاً متزايد الأهمية من نسيج الاقتصاد العالمي.
أنشأت كبرى الجامعات العالمية دورات دراسية وحتى مراكز لدراسة العمل الخيري. ويتمثل أحد المناهج في دراسة كيفية تكثيف العمل الخيري لتزويد المشاريع بمزيد من الأموال. ويتمثل منهج آخر في كيفية قياس أثر العمل الخيري، أي تأثيره، لتحقيق مزيد من المكاسب من العطاء. ويركز المتبرعون لأعمال الخير والأكاديميون في الوقت الحالي على تأثير التبرع -الفرق الحاصل نتيجة له - وأفضل وسيلة لقياس ذلك التأثير.
وبرز دور العمل التطوعي في وباء كورونا المستجد، حيث تقوم الشركات الكبرى في الوقت الراهن بإنشاء أقسام معنية بالمسؤولية الاجتماعية لتلك الشركات وإعطاء أبعاد كبيرة للجانب الخيري لمنتجاتها في مجال الصحة. ونتيجة للضغوط الدولية والرأي العام العالمي تطرح شركات الدواء أدوية تنقذ الأرواح مثل أدوية الإيدز والسل بأسعار مخفضة في البلدان الفقيرة أو تحرر براءات إنتاجها دون علامة تجارية لاستخدام الشركات. ويستخدم الكثيرون مصطلح «استثمار الأثر» لوصف الاستثمار في الاقتصادات النامية الذي يحمل منافع اجتماعية كبيرة، ما يعنى أن المواطنين في هذه البلدان يكونون أفضل حالا عند الحصول على أموال «استثمار الأثر» مقارنة بالحصول على مجرد أموال الاستثمار، لكن كل الاستثمارات ينبغي أن تجعل الناس أفضل حالاً مما كانوا عليه من قبل.
