ليبيا الجرح الإقليمي النازف

02:01 صباحا
قراءة 3 دقائق
تضاعفت خلال الأشهر القليلة الماضية المخاطر الأمنية بالنسبة لدول الجوار الإقليمي لليبيا، وذلك بالرغم من النجاح السياسي النسبي الذي تم تحقيقه بعد تأسيس المجلس الرئاسي الليبي بزعامة فايز سراج المدعوم من طرف قوى دولية وإقليمية. ويشير أغلب المراقبين إلى أن قيام المجلس الجديد بمباشرة أعماله انطلاقاً من العاصمة طرابلس، لم يسهم في حدوث انفراج حقيقي للأزمة الليبية، فقد تزايدت حدة الانفلات الأمني نتيجة للطابع الفسيفسائي وغير المتجانس للقوى الأمنية التي تقودها حكومة الوفاق الوطني. وبالتالي فإنه من السابق لأوانه أن نأخذ النجاحات المؤقتة التي يحققها، في هذه المرحلة، جيش «البنيان المرصوص» التابع للمجلس الرئاسي، في سيرت وفي غيرها من المناطق، على محمل الجد، لأن التنظيمات المتطرفة تعوّدت على استراتيجية الكر والفر وما زالت قادرة حتى الآن على استثمار الفراغ السياسي من أجل استقطاب مزيد من المقاتلين من مختلف أصقاع العالم.
ويمكن القول إن الوضع السياسي الليبي ما زال يتسم بهشاشة كبيرة نتيجة لحدة الاستقطاب الموجود ما بين البرلمان وخليفة حفتر من جهة، والمجلس الرئاسي من جهة أخرى. ويبدو جلياً أن الخلافات القائمة ما بين أجندة المجتمع الدولي وأجندة أطراف الصراع في ليبيا، ما زالت عميقة ومعقدة إلى حد بعيد. ويمكن إرجاع أسباب هذه الوضعية إلى خلفيات إيديولوجية وقبلية ومناطقية متداخلة ومتشابكة، تبرز بشكل كبير مدى صعوبة التعاطي مع الملف الداخلي الليبي، الذي بات يميزه العجز المزمن لكل الأطراف في تحقيق أي نجاح عسكري حاسم قابل للاستثمار السياسي على أرض الواقع.

ويضاعف الغموض السياسي الليبي الحالي في نظر أغلب المحللين، من مخاطر تمدد الجماعات الإرهابية في ليبيا، إذ يمثل غياب الدولة في العديد من مناطق البلاد بيئة ملائمة لانتشار مزيد من العنف والتطرف، حيث تشير العديد من التقارير الإقليمية والدولية إلى التحاق العديد من المسلحين من دول عربية وغربية بمعاقل التنظيم في مناطق متفرقة من التراب الليبي. وقدّر تقرير أمريكي عددهم بعشرة عناصر جديدة تلتحق يومياً بالتنظيم وبخاصة في الأشهر الثلاثة الأولى من هذه السنة، التي انتقل فيها أكثر من ألف عنصر إرهابي جديد إلى ليبيا، قام معظمهم بالتسلل عبر حدود السودان والنيجر، الأمر الذي يضع القوات الأمنية لدول الجوار أمام تحديات كبرى نتيجة لهذا الانكشاف الأمني الخطير. وتشير تقارير أمنية جزائرية عديدة إلى محاولة التنظيمات الإرهابية في ليبيا وفي مقدمها داعش اختراق الطوق الأمني الجزائري، من خلال سعيه الحثيث إلى تهريب أسلحة ومعدات عسكرية باتجاه التراب الجزائري، وهي الفرضية التي تأكدت بشكل واضح بعد عثور قوات الجيش على مخابئ للأسلحة في مناطق متعددة من الحدود الجنوبية للجزائر.

إن الفراغ الأمني في هذا البلد، المتزامن مع التضييق على تنظيم «داعش» في كل من العراق وسوريا، وعلى خلاياه النائمة في أوروبا بعد التفجيرات التي شهدتها باريس وبروكسل، يجعل ليبيا تتحول إلى قبلة مفضلة لكل العناصر الإرهابية في العالم؛ التي تسعى بوتيرة متصاعدة، إلى الاستفادة من البيئة الملائمة التي توفرها الجغرافيا الليبية من أجل العودة بقوة إلى واجهة الأحداث.
نستطيع أن نزعم في خاتمة هذه العجالة، أن القوى الإقليمية المجاورة لليبيا وفي مقدمها مصر والجزائر، باتت تواجه تحديات أمنية خطيرة وغير مسبوقة، نظراً لغياب هيكل أمني قوي وجامع يستطيع أن يوفر الدعم العسكري الضروري لأي توافق سياسي جديد، وفضلاً عن ذلك فإن اختلاف الأجندات السياسية للدول التي تمتلك نفوذاً مباشراً على أطراف النزاع في ليبيا يجعل إمكانية الوصول إلى حل سياسي جدي وقابل للصمود، أمراً في غاية الصعوبة وبخاصة أن الأطراف الدولية وفي مقدمها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ليست معنية بشكل كبير بالخلفية السياسية التي يتبناها المجلس الرئاسي، بقدر ما تسعى بالدرجة الأولى إلى تخفيف تداعيات ملف الهجرة غير الشرعية على الأمن القومي الأوروبي، كما تسهر بشكل خاص على التقليل من مخاطر التهديدات الأمنية الناجمة عن ضعف المؤسسات الأمنية. وعليه فإنه من شأن هذا الجرح الليبي النازف على المستويين الأمني والسياسي، أن يزيد من خطورة التحديات الداخلية التي تواجهها الدول الوطنية في المنطقة، وفي طليعتها تونس التي أحبطت مؤخراً محاولة إرهابية كانت تسعى لإقامة إمارة إسلامية في بن قردان، إضافة إلى مصر والجزائر اللتين تواجهان منذ سنوات مخاطر التنظيمات التكفيرية التي تتربص بهما الدوائر.


الحسين الزاوي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"