ليبيا.. ومبالغات سوق النفط

01:56 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. أيمن علي *


إنتاج النفط الليبي، الذي يزيد قليلاً عن مليون برميل يومياً، يأتي أغلبه من منطقة حوض سرت وإلى الجنوب منها وهي مناطق يسيطر عليها الجيش الوطني الليبي بالفعل منذ فترة.
ليبيا.. ومبالغات سوق النفط
مع بدء حملة الجيش الوطني الليبي لطرد الميليشيات من العاصمة طرابلس، ارتفعت أسعار النفط قليلاً فوق حاجز السبعين دولاراً لخام برنت، ما دفع المحللين لتوقع وصول الأسعار إلى 80 دولاراً للبرميل هذا الصيف.
ومما زاد من مبالغة السوق في توقع ارتفاع الأسعار نتيجة التحسب لتراجع الإنتاج الليبي بأكثر من نصف مليون برميل يومياً تصاعد الخلاف السياسي بين إيطاليا وفرنسا بشأن ما يجري في ليبيا، على اعتبار أن شركتي إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية هما أكبر شركتين تعملان في ليبيا. لكن كل عوامل السوق الأساسية تجعل التوقع المنطقي هو لنطاق 60-70 دولاراً للبرميل للفترة المقبلة، ما لم تحدث أي عوامل طارئة.
خاصة أن إنتاج النفط الليبي، الذي يزيد قليلاًَ عن مليون برميل يومياً، يأتي أغلبه من منطقة حوض سرت وإلى الجنوب منها وهي مناطق يسيطر عليها الجيش الوطني الليبي بالفعل منذ فترة. والإنتاج من الحقول الواقعة غرب العاصمة وجنوب غربها لا يصل إلى ثلث إنتاج ليبيا من النفط. إلا أن هناك في الأسواق من يحذر من أن طرد الميليشيات من طرابلس، في حال نجحت حملة الجيش الوطني الليبي، قد يعني خطراً جديداً بتفجيرات إرهابية في مواقع نفطية أو خطوط أنابيب أو منصات تحميل. وتلك الاحتمالات تعني نحو ثلثي نفط ليبيا (ما بين 650 و700 ألف برميل يومياً تقريباً) ما قد يضيف نحو 10 دولارات لسعر البرميل، خاصة مع افتقاد السوق لنحو ربع إنتاج أنجولا نتيجة مشاكل الإنتاج وعمليات الصيانة.
لكن الافتراضات مع بداية العمليات العسكرية في ليبيا لم تصمد وعادت الأسعار بسرعة إلى معدلها المنطقي المتسق مع أساسيات السوق الفعلية. وساعدت في الحفاظ على الأسعار في الحد الأعلى من نطاقها الحالي أرقام الاقتصاد الصيني الرسمية للربع الأول والتي أظهرت نمو ثاني أكبر اقتصاد في العالم بمعدل معقول (أو على الأقل توقف التراجع في نسب النمو لينمو في الأشهر الثلاثة الأولى من السنة بنسبة 6.4 في المئة).
كما أن هناك مؤشرات واضحة على أن الزيادة المطردة في إنتاج النفط الصخري الأمريكي هدأت تقريباً، ولم يعد السوق يتوقع مزيداً من النفط الأمريكي باطراد بعدما زاد إنتاج أمريكا عن 12 مليون برميل يومياً. وإذا كان النفط الصخري أضاف مليوني برميل يومياً للإنتاج الأمريكي في 2018 فمن غير المتوقع أن يتجاوز هذا المعدل أو حتى يصل إليه هذا العام.
مع ذلك، لا يستبعد أن يبدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تغريداته التي تستهدف السعودية وروسيا مطالباً بزيادة الإنتاج لخفض الأسعار. وحتى قبل أن يحدث ذلك، بدأت التحليلات والتعليقات تتحدث عن احتمال ألا تجدد روسيا اتفاقها مع منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) في اجتماع المنظمة والمنتجين من خارجها في يونيو القادم. وإن كان ذلك لن يعني عودة 1.8 مليون برميل يومياً اتفق على خفضها من إنتاج أوبك وآخرين في مقدمتهم روسيا قبل أكثر من عامين لضبط السوق.
ورغم شبه توقف لإنتاج فنزويلا، الذي يعني غياب ما يعادل تخفيض أوبك تقريباً، إلا أن تقييد المعروض من الخام نتيجة العقوبات الأمريكية الصارمة على إيران لم يحدث بسبب الإعفاءات التي منحها ترامب للصين وتركيا وغيرها لاستيراد كميات من نفط إيران. وتجدد تلك الإعفاءات كل ستة أشهر، وهناك من يقول إن الولايات المتحدة لن تجددها للدول الست أو السبع المعنية. لكن حتى في تلك الحالة، ستجد إيران طريقة للالتفاف على العقوبات النفطية بالتهريب والبيع الفوري عبر أطراف ثالثة (وربما رابعة) بأسعار أقل بكثير ما يعني استمرار وجود ما يقارب مليون برميل يومياً من النفط في السوق فوق سقف الإنتاج المتفق عليه بين أوبك والمنتجين من خارجها (أو تحديداً بين السعودية وروسيا).
وعكس مبالغات السوق بشأن نفط ليبيا التي تدفع لاستنتاج احتمال ارتفاع الأسعار، هناك تكهنات ربما بعودة الفائض في المعروض مع ثبات الطلب وبمعدل يقترب من نحو مليوني برميل يومياً. صحيح أن انهيارات في الأسعار كالتي شهدها سوق النفط في صيف 2014 حين هوى سعر البرميل إلى أقل من 30 دولاراً يبدو مستبعداً، إلا أن النطاق الحالي قد لا يكون مستداماً في حال تغير تلك الأساسيات الحالية وعودة الفائض.
وفي حال استمرار الخلاف التجاري بين أمريكا والعالم، الذي بدأ بالصين ويطال الآن الاتحاد الأوروبي، فإن لذلك تبعاته السلبية على نمو الطلب على الطاقة.
ومن شأن أي تغير طفيف في الطلب هبوطاً، مع احتمالات زيادة فائض العرض، أن يدفع بالأسعار نحو نطاق 50-60 دولاراً للبرميل. بل إن بعض المتشائمين يرون أن احتمال نطاق سعري عند 40-50 دولاراً يظل وارداً قبل نهاية هذا العام. لذا، تظل الأعين متطلعة للقاء أوبك والمنتجين من خارجها في يونيو وكذلك أرقام منصات النفط الصخري الأمريكي.
وبغض النظر عن إنتاج ليبيا، فالأرجح أن أساسيات السوق ستظل كما هي تقريباً وكذلك توقع استمرار التعاون الروسي السعودي لضبط السوق ما يعني احتمالاً أكبر لبقاء الأسعار في نطاقها الحالي لفترة ربما حتى نهاية العام.


* كاتب صحفي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"