ليست حرباً تجارية فقط

03:41 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

الصراع بين الولايات المتحدة والصين أكبر من أن يختزل في خلافات تجارية؛ إذ إن النزاع التجاري الحالي مجرد مواجهة على جبهة واحدة، أو معركة ضمن حرب أوسع نطاقاً. إنها حرب إرادات بين أمتين لكل منهما مصالحها وأهدافها وتوجهاتها المتناقضة.
صفحات التاريخ تمتلئ بهذا النوع من الصراعات بين إمبراطورية قوية تدافع عن بقائها وتفوقها الكاسح اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً. وأخرى صاعدة تبحث لنفسها عن مكان ترى أنها تستحقه. وتسعى في سبيل تحقيق طموحاتها غير المحدودة إلى فرض وجودها إقليمياً وعالمياً، بما يتناسب مع نموها الاقتصادي المتواصل، وثقلها السياسي المتزايد، وقوتها العسكرية البازغة.
إنها الصين التي أصبحت عملاقاً بكل المقاييس، وباعتبارها صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، فإن من حقها أن تتبوأ الموقع اللائق بها. وكما تقول دروس التاريخ وسوابقه، فإن الإمبراطورية الأكبر؛ أي الولايات المتحدة، ستنتفض؛ للتصدي لهذا الخطر الصاعد، وبالتالي سيحدث الصدام. وليس من الضروري أن يكون عسكرياً، لاسيما في ظل توازن الرعب النووي في وقتنا الحالي.
من الواضح تماماً أن صنّاع القرار الأمريكيين على وعي كامل بأهمية وطبيعة وحجم الخطر الصيني. وليس أدل على ذلك من النتائج التي خلصت إليها استراتيجية الأمن الدفاعي، الصادرة عن إدارة الرئيس دونالد ترامب العام الماضي. في هذه الاستراتيجية اعتبرت الإدارة أن الخطر الأساسي على الأمن القومي الأمريكي لم يعد الإرهاب، ولكن المنافسة من القوى الدولية. وحدد التقرير قوتين على سبيل الحصر؛ هما: روسيا والصين.
ولأن الصين هي العملاق الاقتصادي المتفجر قوة وعنفونا؛ ولأنها الشريك التجاري الأول لأمريكا؛ ولأنها الدولة التي تحقق فائضاً يتجاوز 400 مليار دولار سنوياً من تجارتها معها، فكان من الطبيعي أن تعدها واشنطن المنافس الأول والأكبر والأخطر.
القلق الأمريكي من الصين ليس نابعاً من الخلل في الميزان التجاري فقط؛ ولكن بسبب تمددها سياسياً وعسكرياً، وطموحاتها في الهيمنة إقليمياً في محيطها الآسيوي مع تمدد لا يخفى بصور مختلفة في كل بقاع العالم.
لذلك فإن انتهاء المواجهة التجارية الحالية أو تراجع حدتها لا يعني أن الصراع بين الدولتين قد انتهى.
ومن المهم الأخذ في الاعتبار هنا البعد التكنولوجي في هذا الصراع، والذي قد يكون الأخطر بالفعل. وتتجاوز أهميته ما يُعرف بحرب الرسوم الجمركية أو الحرب التجارية عموماً؛ بل إن مجلة «كريستيان ساينس مونيتور» الأمريكية تعد أن التنافس التكنولوجي بين البلدين هو ميدان الصراع الحقيقي بينهما. وأن ما يدور بالفعل هو حرب على التكنولوجيا، وليس المبادلات التجارية.
لا توجد مبالغة فيما تقوله المجلة، التقدم التكنولوجي سيحسم بالفعل مستقبل المواجهة. وميدان هذه المواجهة شديد الاتساع، يمتد من الاتصالات وتقنيات العالم الافتراضي حتى صناعات الفضاء، والذكاء الاصطناعي. وكل هذه المجالات لها استخداماتها العسكرية إلى جانب تطبيقاتها المدنية.
يفسر هذا لماذا قرر ترامب، الأسبوع الماضي، وفي ذروة الحديث عن حرب تجارية فتح جبهة أخرى؛ بإعلان حالة «الطوارئ التكنولوجية»؛ لحماية الشبكات الإلكترونية في بلاده. ويعني هذا الإجراء حظر التعامل مع شركات اتصالات أجنبية تعرض الأمن القومي الأمريكي للخطر. والمقصود بالطبع هو عملاق الاتصالات الصيني «هواوي». لا يمثل القرار الأمريكي مفاجأة حقيقية على ضوء التاريخ الطويل من الاتهامات الموجهة للصين بالسطو على حقوق الملكية الفكرية، والتجسس العلمي على الشركات والمؤسسات الأمريكية وسرقة أبحاثها واختراعاتها.
بات من المُسلم به الإقرار بصحة هذه الاتهامات المتكررة، والتي يبدو أن الصينيين لا يكترثون بها كثيراً، ويكتفون بنفيها بصورة روتينية، وغالباً لا يصدقهم أحد. يدرك الصينيون أن بلادهم لن تصبح قوة عظمى صناعية وعسكرية واقتصادية من دون تأمين التفوق التكنولوجي.
وهم يصرون على تحقيق ذلك بكل الوسائل وبأي ثمن. إنها معركة المستقبل، وقد بدأتها الصين منذ سنوات، وهي منطلقة كالسيل الجارف الذي لن يوقفه أحد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"