ماذا بعد القدس والجولان؟

03:22 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

أعطى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، دعماً غير مسبوق في الانتخابات «الإسرائيلية» لحليفه اليميني العنصري بنيامين نتنياهو، قبل أسبوعين من موعد الاقتراع، بإعلانه سيادة الاحتلال على هضبة الجولان السورية المحتلة، ما يعني فوزاً ساحقاً له على يمين الوسط الذي كانت استطلاعات تميل الى تفوقه. ولعل مثل هذا القرار جاء بإلحاح من الحزب الجمهوري، وعدم معارضة من الحزب الديمقراطي كما يبدو. وهو من نتاج أفكار نائب الرئيس بينس الذي ما زال هاجسه الإنجيلي الصهيوني هو دعم «إسرائيل»، وفقاً لنبوءة بعث المسيح مجدداً لبناء الهيكل المزعوم في المسجد الأقصى.
وجاء قرار ترامب كأنه استجابة منسقة مع نتنياهو، ووسيلة لدعم حزب الليكود في الحملة الانتخابية أثناء وجود نتنياهو في واشنطن لحضور الاجتماع السنوي للوبي اليهودي (ايباك). ويعني موقف ترامب انقلاباً على المواقف السابقة للبيت الأبيض بشأن القدس والجولان، لكنه لا يكتسب شرعية دولية. وأول من لمح الى الاعتراف بالجولان كجزء من «إسرائيل» هو الرئيس الامريكي جيراد فورد، بعد حرب 1973 في رسالة للحكومة «الإسرائيلية» أشار فيها الى أن بلاده ستأخذ بقاء الجولان تحت سيادة «إسرائيل» في أي اتفاق مع سوريا في الاعتبار. وكانت سلطات الاحتلال أعلنت ضم الجولان سنة 1981 ولم يعترف به أحد، وفرضت الهوية الاحتلالية على سكان الجولان الذين قاوموا الإجراءات «الإسرائيلية» بقوة، وأصروا على الاحتفاظ بجنسيتهم العربية السورية. وإذا كان الاعتراف بالقدس عاصمة يهودية لم يحدث سوى فقاقيع هوائية، وهي تضم المقدسات، فلن ينتفض أحد على القرار الأمريكي غير الشرعي المرتقب. لكن كل قرارات ترامب لن تكرس حقاً لغير أصحابه، سواء أكان بالنسبة إلى القدس، أم الجولان، أم غيرهما .
ومع أن الاعتراف الأمريكي ليس له أهمية دولية، أو أمنية، لأنه يخالف القرارات الدولية، لكن سياق الأوضاع في المنطقة، والدعم الأمريكي، جعلا الاحتلال يغير سياسته، فقد سبق أن عرضت «إسرائيل» الانسحاب من الجولان في التسعينات، أيام اسحق رابين (المعروفة بعهدة رابين)، ثم أيهود أولمرت، ونتنياهو في ولايته الأولى في التسعينات، إلا أن الخلافات أفشلت الاتفاق، فالرئيس الراحل حافظ الأسد أصر على الوصول الى مياه طبريا، لكن رابين عرض الوصول الى مسافة تبعد مئات الأمتار عن البحيرة، والانسحاب على مدى خمس سنوات، مقابل التطبيع، وإجراء ترتيبات أمنية تشمل الاحتفاظ بشريط نحو منابع نهر الأردن، ولم يعط الأسد الأب جواباً للوزير الأمريكي الذي توسط آنذاك، وهو وارين كريستوفر، وعرض الأمر نفسه أولمرت لأنه، مثل رابين، كان يعتقد أن الانسحاب من الجولان سيتيح ل(إسرائيل) الاستفراد بالضفة الغربية، وإجبار الفلسطينيين على قبول الاشتراطات الاحتلالية، لأن ياسر عرفات كان يبدي عناداً في التفاوض. وقد عرض نتنياهو هو الآخر الانسحاب على الأسد في ولايته الأولى، بوساطة أمريكية فرفض الأسد لأن نتنياهو اشترط الاحتفاظ بقاعدة «إسرائيلية» في جبل الشيخ.
وبالطبع، فإن الرئيس الأمريكي ترامب كمن تجند في حملة نتنياهو الإنتخابية، حيث لم يكن مطروحاً مثل هذا الاعتراف حالياً، لكن تفجر قضية الفساد في صفقة الغواصات الألمانية، واتهام نتنياهو فيها، عجّل بقرار الرئيس ترامب لدعم حليفه اليميني العنصري. فالقرار الأمريكي هو إعلامي انتخابي ولا يغير من وضع المرتفعات، ولا قوات الأمم المتحدة في الجولان التي استأنفت نشاطها هناك.
يبقى أن نقول إن ترامب أحرج المعارضة التي ارتبط بعضها المعتدل والمتطرف منها على حد سواء، بعلاقات جيدة مع الاحتلال، مثلما ارتبط بواشنطن، فالكيان «الإسرائيلي» يتباهى بأنه عالج 15 ألف جريح من «النصرة»، و«الجيش الحر»، وغيرهما ودعم، بعضها بالمال والسلاح، وربما من «داعش» الذي حافظ على علاقات حسن جوار مع الاحتلال.
لكن الجديد في الخطوة الأمريكية المرتقبة هو أنها تكشف مضمون «صفقة القرن» التي يدعي الأمريكيون أنها ستجلب السلام الى المنطقة، فالقرار الأمريكي هو صاعق قابل لتفجير الأوضاع مستقبلاً، ويؤكد أن «صفقة القرن» ستمنح «إسرائيل» كل مطالبها، وتحرم الفلسطينيين من أية حقوق، بل ستدعم المطالب الاستيطانية بالاعتراف الأمريكي بضم المنطقة المصنفة «سي» في الضفة الغربية التي تشكل 60 في المئة من مساحة الضفة، وبشرعية الاستيطان. فالإجراءات الأمريكية عملياً، عبارة عن قنابل موقوتة تنفجر في أي وقت، وستبقى تهدد الاستقرار في المنطقة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"