ماذا بعد تعليق عمل البرلمان البريطاني؟

03:37 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.إدريس لكريني

مرّ على إجراء الاستفتاء الذي شهدته بريطانيا بصدد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي أكثر من ثلاث سنوات (يونيو/‏ حزيران 2016)، ومع ذلك، ما زالت تداعيات هذا التوجّه تلقي بظلالها على النقاشات السياسية والاقتصادية في البلاد، بين من ظلّ يرفض هذا الخيار، بالنظر للفرص الاقتصادية التي تتيحها العضوية داخل الاتحاد، من حيث جلب الاستثمارات، والاستفادة من السوق الأوروبية الغنية بإمكاناتها البشرية والمالية.. وبين من يرى في هذه العضوية هدراً لإمكانيات بريطانيا الاقتصادية، وتقزيماً لقوتها، ووزنها العالمي.. وتوريطاً لها في ملفات الهجرة واللجوء..
وجدير بالذكر، أن قرار الانسحاب بموجب هذا الاستفتاء، جاء في أجواء سياسية طبعها تصاعد المدّ اليميني داخل أوروبا، وفي الولايات المتحدة الأمريكية، وهي التيارات التي لا تخفي الكثير من مواقفها المثيرة للجدل، سواء بالنسبة لقضايا اللجوء والهجرة، أو بالنسبة لجدوى الاتحاد الأوروبي.
ومنذ ذلك الحين، لم تخف الكثير من الأوساط السياسية داخل أوروبا، وخارجها، صدمتها، وتخوفها إزاء هذا التوجه، الذي أعقبه ارتباك واضح في الأوساط المالية الأوروبية والعالمية.
وما زال الخروج الرسمي من الاتحاد الأوروبي لم يتحقق بعد، انسجاماً مع مقتضيات المادة 50 من معاهدة برشلونة للعام 2007، وما زالت تداعيات هذا الانسحاب مستمرة، بالموازاة مع الانقسام الواضح الذي خلّفته هذه الخطوة في أوساط المجتمع البريطاني بكل مكوناته.. فقد أعلن رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، قبل أيام، أنه قدم طلباً إلى الملكة لأجل تعليق عمل البرلمان، ابتداء من الأسبوع الثاني لشهر سبتمبر/‏ أيلول الجاري، وإلى تاريخ 14 من شهر أكتوبر/‏ تشرين الأول من هذا العام، وقد رفض البرلمان هذا الطلب.
ويبدو أن الخطوة جاءت في سياق شدّ الحبل المستمر بين الحكومة التي تحاول أن تسرّع الخروج من الاتحاد، باتفاق في هذا الشأن، أو من دونه، في إطار ما تعتبره «مدخلاً لحماية المجتمع والشركات الاقتصادية البريطانية» من جهة، والمعارضة التي تسعى من جانبها، وبكل قوّتها، إلى الحيلولة دون تحقّق هذا الخيار، من دون بلورة صفقة قد تعصف بالحكومة ذاتها، من جهة أخرى.
وكلّف تدبير هذا الملف الشائك رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، منصبها، ففي شهر يونيو/‏ حزيران الماضي، قدّمت هذه الأخيرة استقالتها من زعامة حزب المحافظين، ومن رئاسة الوزراء، معلنة أسفها لعدم تمكّنها من تمرير تصورها أمام البرلمان، ثلاث مرات متتالية، بخصوص اتفاق الانسحاب من الاتحاد، خصوصاً أن هذا الأخير، ظلّ يرفض أي تعديل على المسودة المقترحة في هذا الإطار (البريكست)..
ويعتقد الكثير من المراقبين والمهتمين أن التعاطي مع هذا الملف في الوقت الراهن، لا يخلو من تحدّيات وإشكالات داخلية، وإقليمية، بالنسبة لرئيس الوزراء الحالي، وبخاصة أنه يجد نفسه أمام «سيناريوهين» صعبين: الانصياع للضغوط والإغراءات الأمريكية بتوقيع اتفاق تبادل حرّ، عبر بوابة الخروج من الاتحاد، ومن دون أي اتفاق، من ناحية أولى، واحتمال التعرض لخسائر، وعقوبات اقتصادية من الجانب الأوروبي من ناحية ثانية..
وعبّر الكثير من النّخب السياسية البريطانية المعارضة عن رفضه لهذه التوجهات، مؤكّداً أنها محاولات مكشوفة لإبعاد البرلمان عن مناقشة وصياغة أحد أهم القرارات التي تهمّ بريطانيا، ومسّ بهذه المؤسسة، ومصادرة لحقّها في رقابة العمل الحكومي، بل وإهانة للديمقراطية في البلاد، وانتهاك للدستور.
وفي هذا السياق، حذّر البعض من الانعكاسات المحتملة لهذه الخطوة، مع الإشارة إلى التداعيات الاستراتيجية المرتقبة للانسحاب، في حال تمّ من دون اتفاق، وبعيداً عن رقابة البرلمان، ما سيتيح للإدارة الأمريكية الحالية تقزيم أدوار الاتحاد الأوروبي، والمساهمة في تفكّكه، بما يعزّز تكريس الهيمنة والنفوذ الأمريكيين، ويجعل بريطانيا مجرّد تابع لهذه الدولة، ومؤيّد لسياساتها المختلفة..
وأمام هذه المواقف، التي يقابلها إصرار الحكومة على احترام المهلة التي تفرض عليها الانسحاب النهائي من الاتحاد، سواء عبر اتفاق في هذا الشأن، أو من دونه، يبدو أن الدخول البرلماني الجديد في بريطانيا بعد العطلة الصيفية، سيكون ساخناً، بالنظر إلى جسامة الخطوة في بلد ديمقراطي عريق، يستأثر فيه البرلمان بصلاحيات وازنة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"