ماذا يريد «العثملي»؟

03:43 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

منذ الأيام الأولى لاندلاع الأزمة السورية، التي بدأت في الخامس عشر من مارس (آذار) عام 2011م، بدا واضحاً ذلك الدور الخطير الذي تلعبه أنقرة، في دعم الحركات الإرهابية، وفي مقدمتها التنظيمات الإسلاموية المتطرفة، وبدت بوضوح السياسة البراغماتية التي انتهجها النظام التركي في التعامل مع هذه الأزمة، ومحاولة الاستفادة من أوراقها، في مقايضة الأوروبيين، والضغط عليهم، ومحاولة ابتزاز العالم، من خلال أزمة اللاجئين السوريين، التي تعتبر أحد أخطر إفرازات الأزمة السورية.
وتحت ذريعة محاربة الإرهاب، وتحجيم دور الأكراد، بحجة سيطرة حزب العمال الكردستاني، على بعض المناطق الشمالية والشمالية الشرقية في سوريا، راحت أنقرة توسع نفوذها في سوريا على نحو غير مسبوق، وذلك مع بداية تدخلها العسكري الفعلي، من خلال ما أسمته عملية «درع الفرات»، التي انطلقت في أغسطس (آب) من عام 2016، ودخول الدبابات التركية الأراضي السورية للمرة الأولى.
وتحت ذريعة محاربة تنظيم «داعش» وتحجيم أي دور للأكراد، اتسعت رقعة النفوذ التركي في شمال سوريا على نحو غير مسبوق، منذ أن أطلقت أنقرة عملية «درع الفرات».
ومع أن الشعار الذي رفعته حكومة أردوغان، كان محاربة ما أسمته الإرهاب، الذي تورطت في دعمه، وتزويده بمقومات الحياة بشكل لم يعد خافياً على أحد، إلا أن ماجرى لاحقاً، يثبت بالدليل القاطع، أن ما أعلنته تركيا من أهداف لتدخلها العسكري، هو مجرد غطاء، يخفي الأطماع التركية في الأراضي السورية، ومحاولة أردوغان استعادة أمجاد الحقبة العثمانية، التي تدغدغ مخيلته، وتثير شهيته الاستعمارية، حيث راحت أنقرة تلوح بوجود ما أسمته وثائق تؤكد أحقيتها في بسط سيطرتها على عدد من القرى السورية بمحافظة إدلب المتاخمة للحدود التركية، إضافة إلى مناطق في شمال العراق.
وحاول سليل العثمانيين الجديد، استخدام ورقة تالفة لتبرير أهدافه، كوجود مقابر تعود لقادة عثمانيين في مناطق أخرى شمالي سوريا، وكأن هذا الإعلان يعطي تركيا الحق في احتلال هذه القرى، علماً بأن من الطبيعي أن يكون هناك مقابر لأتراك في بلاد احتلوها على مدى أكثر من أربعة قرون، وهي حجة تدعو إلى السخرية والاستهجان.
فمن إدلب إلى شرق الفرات مروراً بعفرين في حلب، لم تتوقف الأطماع التركية في السيطرة على المزيد من الأراضي السورية، تحت هذه الذريعة أو تلك، وفي مقدمة هذه الذرائع مواجهة الجماعات الكردية المسلحة، التي تعتبرها أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا.
ومن يتابع المسلكيات التركية على الأراضي السورية، لا يحتاج إلى عناء كثير كي يكتشف حقيقة الأهداف الاستعمارية التركية في سوريا، حيث راحت الأعلام التركية تنتشر فوق المؤسسات الرسمية، في بعض القرى، التي دخلتها القوات التركية، فيما امتدت محاولات الهيمنة التركية، لتشمل الكتب المدرسية ولافتات الطرق والمؤسسات العامة التي باتت تعج باللغة التركية، في العديد من المناطق التي تحتلها القوات التركية، تحت لافتة الحفاظ على مناطق خفض التصعيد تارة، أومواجهة الإرهاب تارة أخرى.
ووصل الأمر بالمحتل التركي إلى محاولات فرض استعمال الليرة التركية، بدلاً من العملة الوطنية السورية، وهو أمر يشير إلى خطورة الأهداف الفعلية لأنقرة داخل سوريا، والتي تتوافق والأهداف الأمريكية الواضحة لإطالة أمد الصراع في الساحة السورية، لخدمة أجندات خارجية، ومحاولة استخدام الورقة السورية في سوق المساومات الدولية، بالنسبة لكل من أنقرة وواشنطن، كما بات واضحاً التنسيق بين الطرفين، ومحاولة استغلال تركيا الانسحاب الأمريكي المزمع من سوريا، واعتباره الضوء الأخضر، لمتابعة ما بدأته من خطوات عدوانية على سوريا، ذلك أن تدمير القرى والبنية التحتية والآثار، وقتل المدنيين السوريين الأبرياء ومحاولات تهجيرهم من منازلهم بقوة السلاح، ورفع الأعلام التركية فوق المؤسسات الرسمية السورية لا يحتمل إلا وصفاً واحداً، وهو احتلال واضح تسعى حكومة أنقرة من ورائه إلى تحقيق أطماع تركيا الاستعمارية في سوريا.
أخيراً، لابد من القول إن التدخل التركي المنسق مع واشنطن في سوريا، لن يزيد من تعقيدات الأزمة السورية وحسب، وإنما قد يمهد لاتساع هذا الصراع نحو الداخل التركي، وربما يحوله إلى صراع إقليمي واسع.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"