محاكمة ترامب.. الإدانة للجميع

03:58 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

لا تعنينا كثيراً تفاصيل المحاكمة الجارية في مجلس الشيوخ الأمريكي للرئيس دونالد ترامب. ولن نخوض فيها أو نتوقف عندها، لكن المشهد العام ينبئ بالنهاية المتوقعة وهي براءة الرئيس، ما لم تحدث مفاجأة بظهور أدلة إدانة دامغة يصعب معها الدفاع عنه. وإذا تتابعت فصول هذا العرض الدرامي المثير، وفقاً لما هو مقرر، فسوف يسدل الستار على مشهد احتفالي للجمهوريين يتبادلون فيه أنخاب الانتصار بإنقاذ رئيسهم والإبقاء عليه في منصبه.
وفقاً لهذا السيناريو المتوقع سيكون كل حزب من الحزبين المتصارعين قد ربح نصف المعركة وخسر نصفها الآخر. الديمقراطيون انتصروا في الجولة الأولى بفضل أغلبيتهم في مجلس النواب؛ حيث انتزعوا موافقته على إحالة الرئيس للمحاكمة أمام مجلس الشيوخ الذي يسيطر على أغلبية مقاعده الجمهوريون. هؤلاء بدورهم يتأهبون لحماية رئيسهم والتصويت بتبرئته، وبالتالي الانتصار على الديمقراطيين.
ترامب نفسه سيحظى بنصف انتصار فقط. فإذا كان قد ضمن البراءة، فإن سجله سيظل مدموغاً بعار المحاكمة، وسيدخل التاريخ كرابع رئيس أمريكي يتخذ ضده هذا الإجراء. المتهمون الثلاثة الذين سبقوه هم بيل كلينتون في التسعينات وريتشارد نيكسون في السبعينات من القرن الماضي، واندرو جونسون عام 1868.
ومع تقاسم الطرفين الجمهوري والديمقراطي، الفوز بإحدى الجولتين، سيبقى طرف ثالث أهم سيكون الخاسر الوحيد في المعركة وهو الولايات المتحدة نفسها بمؤسساتها الدستورية ونظامها الجمهوري.
يرى كثير من المحللين الأمريكيين المحايدين، أن ما يجري حالياً هو استنزاف حقيقي لطاقة الدولة وإنهاك لقواها وعبث سياسي لن يحقق لأي من الحزبين مكسباً حقيقياً. يتحدث السياسيون المنخرطون في هذه اللعبة عن حرصهم على الدستور وتبجيله، بينما هم في الحقيقية أول من يسيئون إليه بمناوراتهم ذات النظرة الحزبية الضيقة.
في هذا الصدد تستدعي مجلة «ناشيونال انترست» تصريحاً مهماً للنائب الديمقراطي جيري نادلر، رئيس لجنة العدالة في مجلس النواب إبان محاكمة كلينتون يقول فيه، إن محاكمات الرؤساء لا يجب أن تتم على أسس حزبية، وإن التصويت على هذا النحو يفقد المحاكمة شرعيتها. إلا أن نادلر ورفاقه الديمقراطيون ينسون الآن هذا الكلام ويفعلون ما نهوا عنه من قبل. الجمهوريون بدورهم يقولون حالياً عن محاكمة ترامب عكس ما كانوا يقولونه خلال محاكمة كلينتون، ويسعون بشتى الطرق لنسف جهود خصومهم والحيلولة دون إثبات التهم الموجهة ضد ترامب حتى لو كانت صحيحة.
المحاكمة وكما تقول المجلة، أخرجت أسوأ ما في الطبقة السياسية الأمريكية، ولذلك فإن أمريكا نفسها هي الخاسرة في النهاية، سيظل شبح المحاكمات يطارد أي رئيس قادم، وسيكون حريصاً على تجنب التعرض لمثل هذه المهانة. وفي سبيل ذلك سيصبح متردداً وضعيفاً ويسعى إلى استرضاء الكونجرس حتى لو تنازل، طوعاً أو كرهاً، عن جانب من صلاحياته الدستورية لكي لا يدخل في مواجهة خاسرة مع المجلس، لاسيما إذا كانت الأغلبية للحزب المنافس.
وعلى حد قول كاي جيمس رئيسة «مؤسسة هيريتدج» البحثية، فإن محاكمات الرؤساء ستتحول إلى سلاح سياسي لإرهاب الرئيس وترويضه من جانب الكونجرس. ومع تكرار الأمر ستتحول المحاكمة عملياً إلى ما يشبه الاقتراع بالثقة في النظم البرلمانية والذي قد يسقط الحكومة. وهذا يعني الالتفاف على النظام الرئاسي ونقض فلسفته التي تقوم في جوهرها على فكرة تحصين الرئيس من المحاسبة أمام المجلس التشريعي.
كذلك فإن تجريد الرئيس من جزء من صلاحياته الدستورية ووضعها في يد الكونجرس يعني في النهاية تقويض النظام السياسي والإخلال بمبدأ التوازن بين السلطات الثلاث. كما أن إضعاف الرئيس واضطراره للعودة إلى الكونجرس دائماً سيغل يده عن اتخاذ قرارات مهمة تحتاج إلى السرعة والحسم ومن شأن ذلك الإضرار بالأمن القومي.
لهذه الأسباب يقول العقلاء في واشنطن: إن الأمة الأمريكية هي الخاسرة في المعركة الحالية، وهي من سيدفع ثمن شجار أبنائها وعقوقهم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"