محمد بن راشد واستقلال القضاء

05:21 صباحا
قراءة 3 دقائق

في العقد الأخير من السنين العشر الماضية، وحتى نهاية عام ،2007 لم تشهد الإمارات هدوءاً، ولو بنسبة قليلة في نموها العمراني وسيرها الحثيث نحو هذا العمران، وباعتبار دبي القلب التجاري والمركز التجاري والميناء التجاري للإمارات، فإن نموها وسيرها كانا بطبيعة الحال أكثر نشاطاً وأكثر حيوية، وبالتالي الأكثر في لفت الأنظار إليها، ليس في المنطقة الشرق أوسطية، ولكن في العالم، حتى قيل إن هذه المدينة، مدينة دبي، لا تنام، وعيناها لا تغمضان، ومتحفزتان، ولا تنتهي من مشروع حتى تقفز إلى مشروع آخر، بكل ثقة واطمئنان بأن ما تفعله من بناء لا يتأثر بعوادي الأيام، وإن فاجأت هذه العوادي وجاءت بما لا يسر، فإن دروعاً من المقاومة سوف تردها على عقبيها.

وفي الحقيقة وبنظرة أكثر عمقاً للأمور، وبعد نصف عام تقريباً من الأزمة العالمية التي هزت زلازلها أركان الدنيا كلها، باتت المقاومة تأتي أُكلها وتصبح المصارعة لدحر المشكلة ليست ضعيفة... فبجانب ما نراه من حدة في تأثير الأزمة هنا وهناك، نرى المقاومة التي تولدها العزيمة والإصرار على عدم النكوص، والقول للأزمة اشتدي أزمة تنفرجي.

وفي معمعة هذا التوسع الأفقي والعمودي في التنمية، وإبان اشتداده، كان طبيعياً أن تظهر نتوءات وطفيليات شاذة، ويطل البعض من ضعاف النفوس من داخل هذه النتوءات والطفيليات برأسه يرشح (ميكروبات) ضارة ومفسدة للصحة، ولكن العزاء الرئيسي لدحر هذا الميكروب وإبطال فاعليته، هو القانون وهي العدالة، وهو القضاء المستقل، الذي لا يحابي ولا يقضي إلا بالمعروف... وفوق هذا، الحكومة العادلة الرشيدة التي يكون فيها القوي ضعيفاً حتى يؤخذ منه الحق، والعدالة الاجتماعية في هذه الحكومة تتساوى فيها الناس ولا تأخذها في الحق لومة لائم.

لقد بات واضحاً وجلياً أن الشيخ محمد بن راشد مؤهل تأهيلاً كبيراً لمواجهة الأزمات وتجاوزها بقوة، ليس من خلال الإمكانيات المادية المتاحة وحدها، ولكن من خلال تبنيه الرشادة والصلاح في الحكم العادل، ورغبته في أن يكون القضاء مستقلاً بعيداً عن سلطة أحد أو إملاء من أحد، لأنه يؤمن بما يؤمن به أهل الرأي والصلاح، أن العدالة وتوفيرها في المجتمع هو بيت القصيد، ولن تستقيم الأمور إلا بوجود محاكم وقضاء مستقلين ولا يحكم أمورهم إلا القانون وضمائرهم، ومن هنا فإن نفوس الناس تستريح وتسودها الطمأنينينة، ومتى ما سادت الطمأنينة فإن الناس في مأمن من التعدي، وأن ليس فوق القانون أحد، فإن الأمور تعود إلى الأحسن ويتجاوز المجتمع كل ما يجابهه من الصعاب.

بالأمس حكمت إحدى المحاكم في دبي على مسؤول سابق بالعقوبة، وجاء الاستئناف اليوم لينقضها، وفي كلتا الحالتين جاء الدليل الواضح أن القضاء مستقل، وأن أحداً لم يصدر إشارات للمحاكم الابتدائية ولا للتي بعدها، كالاستئناف، وأن القضاة في الحالتين عملوا بما يرضي ضمائرهم، ضمائرهم فقط، وألقم حجراً أولئك المشككون أن المحاكم عندنا مسيّرة وليست مخيّرة.

شخصياً، وكل الشرفاء معي في هذه البلاد، الإمارات عامة، ودبي خاصة، من الذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً، نشيد بموقف رجل الدولة الكبير الشيخ محمد بن راشد، ونقول له أحسنت، أنت كبير وفوق الشبهات، وعندما تقول إنك ضد الفساد في كل أشكاله وصوره، فأنت صادق، وإنك قوي وواثق بنفسك، والقوي الواثق هو الذي يتخطى الصعاب ويتجاوز الأزمات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"