مستقبل الصراع الليبي

03:16 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

على الرغم من المكانة التي كان يتمتّع بها المفكر والباحث الليبي الصّادق النيهوم (1937-1994) لدى النظام الليبي، في ثمانينات القرن الماضي، إلا أنه كان مدركاً حجم الانقسامات الداخلية، وحجم الصراع الخارجي على ليبيا، وقد عبّر عن مخاوفه تلك، حين اعتبر أن «ليبيا بلد من القشّ، يطفو فوق بحيرة بترول، فما أسهل أن تندلع النار فيه حتى تحرقه من أساسه»، وقد كان لإسقاط نظام العقيد معمّر القذافي، مفعول النار التي تحدّث عنها النيهوم، حيث انفتح الصراع الداخلي على أشدّه، وكذلك الصراع الخارجي، خصوصاً الصراع الفرنسي- الإيطالي، حيث تمتلك الدولتان إمكانات وأدوات مؤثّرة في الساحة الليبية، وعلى أطراف الصراع، كما تمتلكان مصالح استراتيجية كبيرة.
انقسمت الشرعيّة في ليبيا بين حكومة الوفاق الوطني في العاصمة طرابلس، والتي يرأسها فايز السّراج، وبين مجلس النوّاب الليبي في طبرق، برئاسة المستشار عقيلة صالح، وبين الجيش الوطني، ومقرّه الرئيسي في بنغازي، بقيادة المشير خليفة حفتر، والذي شنّت قواته مؤخراً معارك باتجاه طرابلس العاصمة، قد لا يكون من السهل حسمها، خصوصاً في ظل وجود عدد من الفصائل المتركزة في طرابلس، ومن بينها فصائل إسلامية، كانت قد استولت، بعد سقوط النظام الليبي، على مستودعات كبيرة من الأسلحة والذخائر، بالإضافة إلى خطوط إمداد عسكرية من قبل دول إقليمية.
على الرغم من حكم العقيد القذافي ليبيا لأكثر من أربعة عقود، إلاّ أن ليبيا بقيت في نسيجها الاجتماعي ذات طابع قَبَلي، مع اقتصاد ريعي، قائم على الوفرة النفطية، وغياب لمشاريع التنمية، وقبضة أمنية شديدة، لم تسمح بفتح الفضاء العام، أو بلورة حراك مدني مستقل، مع إفراط في مركزة السلطات بيد العقيد القذافي، ودائرة صغيرة من المقربين منه، لكن هذه البنية الاجتماعية، والتي بدت متماسكة لعقود، واجهت فجأة تحوّلات كبيرة، وبدلاً من المضي نحو توافق سياسي - اجتماعي، لبناء دولة حديثة، ذات نظام حكم تعددي ديمقراطي، اتجهت نحو صراعات بينيّة، خصوصاً مع هيمنة الإسلاميين، الذين يتمتعون بمستوى تنظيمي أعلى، ودعم خارجي، تمثّل في المحور التركي- القطري، منذ بدايات الحراك الليبي في عام 2011.
انفتاح الصراع الداخلي، كان مقدمة لفتح الصراع الوطني على التدخلات الخارجية، فإيطاليا، عادت بقوّة لتكون عنصراً فاعلاً في الصراع، مستعيدة بذلك إرثها الاستعماري الطويل، مع طموحات معلنة للاستفادة من احتياطات النفط الليبي، والتي تعدّ الأكبر في قارة إفريقيا، والتاسعة عالمياً، وتقدر بحوالي 46.4 مليار برميل نفط، وكانت ليبيا، في عام 2010، ثالث مصدّر للنفط إلى الاتحاد الأوروبي، بعد روسيا والنرويج.
الخلافات البينيّة في الاتحاد الأوروبي، أصبحت واضحة بما يخصّ الشأن الليبي، ومستقبل النظام السياسي، ومستقبل النفط، ففرنسا، هي الأخرى أصبحت جزءاً من الصراع، حتى إن التصريحات والتصريحات المضادّة بينها وبين إيطاليا، باتت شيئاً مألوفاً خلال العام الأخير، فهي تجد أن إيطاليا تهرّبت من مسؤولياتها تجاه اللاجئين القادمين من الشواطئ الليبية، كما أنها، بسعيها للهيمنة على النفط الليبي وحدها، تتجاهل المصالح الفرنسيّة في ليبيا.
المحاولات الأممية لحلّ الصراع الليبي لم تنجح حتى الآن، ولا يبشّر مصيرها، ضمن المعطيات الراهنة، بأي تفاؤل، بل إن هذا الفشل يغذي مقومات الانقسام الليبي، حيث أصبحت ليبيا بلداً مفتوحاً على الولاءات، ويمكن توصيفها، ضمن المعايير الدوليّة، بأنها دولة فاشلة، لجهة عدم وجود حكومة تحتكر السلاح، أو تسيطر قواتها النظامية على الحدود، أو تحوز شرعية مختلف المكونات، والمفارقة الكبيرة هي أن الأطراف الدوليّة ذاتها التي تنشد حلاًّ سياسياً للمسألة الليبية، هي نفسها التي تغذي الانقسامات الداخلية.
أين يكمن مستقبل ليبيا، وهل ثمة مخارج سياسية للحل، أم أن الحل ستحدده ملامح الصراع العسكري؟ من الواضح أن الحل السياسي، سواءً أكان داخلياً أم خارجياً، يبدو متعثّراً، وبالتالي فإن التعويل على المساعي الأممية سيكون، ضمن موازين القوى الراهن، أمراً منافياً للواقع الليبي أولاً، وللواقع الإقليمي والدولي ثانياً، فقد أصبح واضحاً أن المسافة بين الأطراف الداخلية كبيرة، ولن يكون من الممكن الوصول بينها إلى تسويات، كما أن كل طرف من الأطراف، وخصوصاً الطرفين الرئيسيين، أي حكومة الوفاق في طرابلس، وبين «الجيش الوطني»، يحمل توجهّات إيديولوجية مختلفة، وحسمها سيعني حسماً للهويّة السياسية للنظام الليبي، وأيضاً للمجتمع الليبي، وطبيعة العلاقات الخارجية لهذا النظام، وتحديد شكل اصطفافه في النظام الإقليمي.
يبدو أن حسم الصراع عسكرياً، هو السيناريو الأكثر ترجيحاً في اللحظة الراهنة، لكن يبقى مستوى تحقّق هذا السيناريو، أمراً غير مضمون النتائج، كما أن تكلفته على المجتمع الليبي المنهك كبيرة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"