مستقبل القضية الفلسطينية

03:08 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. إدريس لكريني

الأقطار العربية التي طالما دعمت القضية الفلسطينية بمختلف الوسائل، مطالبة بالاستمرار في مواكبة هذه القضية، وبعدم ترك الفلسطينيين وحدهم.

عندما جلس الطرفان الفلسطيني و«الإسرائيلي» على مائدة التفاوض، منذ بداية التسعينات من القرن الماضي، برعاية أمريكية، وبعد إطلاق ما سمّي بمفاوضات السلام، التي أثمرت إبرام اتفاقية أوسلو (سبتمبر/‏أيلول 1993)، توقّع الكثيرون أن هذه الدينامية التي رافقت نهاية الحرب الباردة وصراعاتها، وبزوغ «نظام دولي جديد» ستشكّل مناخاً مناسباً لإرساء سلام مستدام، يدعم بناء دولة فلسطينية مستقلة طالما ناضل من أجلها الفلسطينيون وعدد من الشعوب الداعمة لحقوقهم المشروعة..

بعدها وعلى امتداد ما يقرب من ثلاثة عقود، كان واضحاً أن «إسرائيل» تلعب على عامل الوقت، فقد استمرت في خرق الاتفاقيات المبرمة، سواء على مستوى بناء المستوطنات، واعتقال وإبعاد السكان، أو على مستوى ممارسة العدوان العسكري على عدد من المناطق الفلسطينية الآهلة بالسكان، إضافة إلى التّمادي في «تهويد» القدس وطمس معالمها التاريخية، ما ساهم في دفن كل الجهود الرامية لإرساء محادثات للسلام.

وقد زاد من تعقّد الأمر دخول الفصائل الفلسطينية نفسها في صراعات على سلطة تبين فيما بعد أنها وهمية، ما كان له انعكاس على تراجع إشعاع القضية في أوساط عدد المجتمعات الداعمة لهذه القضية العادلة.

وقد تبين في كثير من الأحيان أن دور الولايات المتحدة كراع للسلام، لم يكن موفّقاً وبنّاء، بخاصة وأنها لم تمارس ضغوطاتها على «إسرائيل» لدفعها نحو التوقف عن الخروقات المستمرة التي تمارسها داخل الأراضي المحتلة.

وقد أسهم تردّي الوضع العربي، منذ بداية التسعينات، وما تلاه من صراعات ونزاعات خلّفتها تحوّلات الحراك في عدد من بلدان المنطقة (سوريا وليبيا واليمن وتونس..)، في تدهور النظام الإقليمي العربي، وتزايد حدّة التدخلات الإقليمية والدولية في المنطقة، وهو ما استغلّته «إسرائيل» بشكل كبير على طريق التمادي في سياساتها المناوئة للحقوق الفلسطينية..

منذ مجيئه إلى البيت الأبيض أطلق الرئيس «دونالد ترامب»، مجموعة من التصريحات والسياسات التي عمّقت الخلاف الفلسطيني - الأمريكي، بل ودفعت السلطة الفلسطينية إلى رفض استئثار الولايات المتحدة بأي دور انفرادي لرعاية أية عملية للسلام في المستقبل. ففي شهر ديسمبر/‏كانون الأول من عام 2017 قرّرت الإدارة الأمريكية نقل سفارتها من «تل أبيب» إلى القدس، ما خلف استياء فلسطينياً وعربياً ودولياً واسعاً، عكسه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ21 ديسمبر/‏كانون الأول 2017.. وفي شهر نوفمبر/‏تشرين الثاني من عام 2019، وضمن موقف معاكس للتوجهات العالمية، اعتبرت الولايات المتحدة أيضاً أن المستوطنات داخل الأراضي المحتلة لا تخالف مقتضيات القانون الدولي.

قبل أيام طرح الرئيس الأمريكي خطة اقترحها للسلام في الشرق الأوسط، والتي سميت ب«صفقة القرن»، معتبراً أنها تشكل منطلقاً لإرساء «حلّ واقعي بدولتين» للنزاع، وتضمن «تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني المشروعة في الاستقلال والكرامة».. كما دعا الطرفين إلى اتخاذ خطوات شجاعة لتجاوز حالة الجمود واليأس، وإلى استئناف المفاوضات، لبلورة ما سماه «سلاماً دائماً وازدهاراً اقتصادياً»..

يمكن إجمال أهم النقاط الواردة بالمقترح، في موافقة «إسرائيل» على قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح، بناء على اتفاق أمني يقضي بحماية «الإسرائيليين»، مع تجميدها للعمليات الاستيطانية على امتداد أربع سنوات، موازاة مع انعقاد المفاوضات بشأن قيام الدولة الفلسطينية.. واعتبار القدس عاصمة «إسرائيلية» غير خاضعة للتقسيم، مع إمكانية إحداث عاصمة فلسطينية في القدس الشرقية.. وتوسيع دائرة الأراضي الخاضعة للسلطة الفلسطينية إلى أكثر من الضعف، وربطها بطرق وجسور وأنفاق.

تضع المبادرة أيضاً عدداً من الشروط اللازمة لضمان أمن «إسرائيل»، وتضمن تحركها لمواجهة أية تهديدات، فيما يؤكّد المقترح تحمّل السلطات «الإسرائيلية» لمسؤوليات تحقيق الأمن غرب نهر الأردن.. ويتحمّل الفلسطينيون مع مرور الوقت، قدراً من المسؤوليات الأمنية بتنسيق مع «إسرائيل» والولايات المتحدة الأمريكية..

أما فيما يتعلق بوضع القدس، فالخطّة تقضي بالحفاظ على وضعها الحالي، وبمواصلة «إسرائيل» حماية المناطق المقدّسة، وضمان حرية العبادة لليهود كما المسلمين والمسيحيين، مع فتح المجال أمام المسلمين لزيارة المسجد الأقصى..

ولم تنل مجموعة من القضايا والملفات الحيوية حظها ضمن الخطة، كما هو الشأن بالنسبة لملفّ اللاجئين الذين يصل عددهم إلى ما يقارب الستّة ملايين، وقضية المستوطنات التي تناسلت بشكل مكثف على امتداد الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، لتضمّ في الوقت الراهن أكثر من نصف مليون مستوطن.

خلّف طرح الخطّة مواقف دولية وإقليمية متضاربة، تباينت بين من رفضها وانتقص من أهميتها، كونها تمثل وجهة نظر أحادية، وتشكّل إجهازاً على ما تبقى من الحقوق الفلسطينية المشروعة، وبين من اعتبرها فرصة بالإمكان استثمارها بالتفاوض لتجاوز الجمود القائم، في ظل تردّي الوضع الفلسطيني الداخلي، وتدهور النظام الإقليمي العربي، فيما عبرت الأمم المتحدة عن التزامها بحلّ الدولتين. وفي الوقت الذي رحبت بها «إسرائيل»، واعتبرت أنها تمثّل مساراً لسلام مستدام، قابلتها السلطة الفلسطينية بالرفض، معتبرة أنها مجرّد «مؤامرة»، مع التأكيد على أن الفلسطينيين لن يقبلوا دولة دون أن تكون القدس عاصمة لها.. ثم رفض الاستئثار الأمريكي برعاية السلام..

يظلّ الطرف الفلسطيني هو المعني الأول بتقييم جدوى أية مبادرة على طريق تسوية النزاع، بما يدعم حقوقه المشروعة، في دولة مستقلة وآمنة، ومع ذلك فالأقطار العربية التي طالما دعمت هذه القضية بمختلف الوسائل، مطالبة بالاستمرار في مواكبة هذه الأخيرة، وبعدم ترك الفلسطينيين وحدهم في مواجهة خصم قويّ ومدعوم ويجيد حساباته..

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"