مسودة أولى للحرب

أفق آخر
03:19 صباحا
قراءة دقيقتين

المناورات الشاملة وما يتبعها أو يقترن بها من المسودات التي يطلق عليها في أدبيات الحرب اللعبة لا تقرأ بمعزل عن التوقيت ومعطيات اللحظة، لهذا لا يمكن لهذه المناورات والتدريبات وتوزيع الأقنعة الراقية وصفارات الإنذار التي شرعت بها الدولة العبرية أن تكون مجرد مناورات فقط، فهي تأتي في وقت يتصاعد فيه التوتر في المنطقة، وتتعمق نقاط الاختلاف بين الدول أو داخل الدولة الواحدة، إضافة إلى النبرة الثأرية التي لا تفارق تصريحات الجنرالات في تل أبيب بعد إقرار الكنيست ولجنة فينوغراد بأن اسبارطة الصهيونية التي حصلت على بوليصة تأمين أمريكية ضد الهزيمة قد هزمت بالفعل في الحرب على لبنان.

والجنرال المايسترو الذي يقود هذا العزف وهو قرع لطبول الحرب وليس كونشيرتو هو ايهود باراك، الذي يزهو بسيرته الدموية، منذ عهد إليه بالاغتيالات والمغامرات العسكرية القذرة بدءاً من شارع فردان ببيروت وليس انتهاء بالشاطئ التونسي.

وليس غريباً على من تخفى بزي امرأة أن يبرئ مناوراته من أهداف عسكرية، بحيث تبدو مجرد فعاليات تقليدية.

لقد كتب الكثير عن حرب محتملة، تشنها الولايات المتحدة والدولة الصهيونية ضد هذا الطرف أو ذاك، لأسباب نووية أو غير ذلك، فأسباب الحروب ومسوغاتها لم تعد في معاجم ما بعد الحداثة العبرية بحاجة إلى ذرائع، ما دام من الممكن تلفيق مثل هذه الذرائع بعد نشوب الحرب وفق منطق الحروب الاستباقية والتبرير المستدرك بأثر رجعي.

إن الحيثيات والقرائن التي تجزم بأن هذه المناورات هي مسودة أولى لحرب وشيكة عديدة، ولا سبيل إلى تخطيها أو تجاهلها إلا من باب التواطؤ.

وما يقال عن قصر الفترة المتبقية للرئيس بوش في البيت الأبيض قد يقنع من مكثوا في الكهف، يقرأون كتباً من تاريخ غارب لأن يوماً واحداً يكفي لإعلان حرب على الطريقة البوشية الحديثة، وهناك على ما يبدو حاسوب سري لرصد الأرباح والخسائر غير هذا الحاسوب الذي تتداوله الميديا حول خسائر أمريكا في العراق، مادياً وبشرياً واستراتيجياً.

ومن استبعدوا نشوب الحرب مجدداً ضد لبنان ودمشق أو طهران أركنوا إلى قراءات منطقية تدفع واشنطن إلى إعادة الحسابات ما بعد أفغانستان والعراق، لكن السائد الآن لا صلة له بالمنطق، والإمبراطور الأعمى قد تأخذه العزة بالمزيد من الإثم بدلاً من الاعتبار بما جرى في العراق.

والحروب لا تندلع على طريقة اليانصيب أو وفق نظرية الاحتمال المستعارة من الفيزياء أن لها رائحة تسبقها، وطبولاً تقرع عبر وسائل الإعلام، كما ان العزف المنفرد قد يوهم الناس بأن ما يحدث هو مجرد مناورات تقليدية.

إن من السهل على الولايات المتحدة تكرار الخطأ، وقد يتحول هذا الخطأ إلى جملة من الخطايا إذا أزفت اللحظة المؤجلة، فالعسكرتارية الصهيونية الجريحة في صميم نرجسيتها تبحث عما يرممها ومن هزموا في لبنان لن يكونوا الأدرى بشعابه بعد عام أو عامين.

إن هذه المناورات المتزامنة مع أزمات سياسية لا تعد بأي انفراج هي مسودة حرب، لكنها لن تكون مسودة انتصار إلا في خيال المايسترو الذي يلوح للأوركسترا بالبندقية لا بالعصا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"