معضلة «أوبك» الإنتاج الأمريكي وليست إيران

02:46 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. أيمن علي *

رغم أن العالم كله يتحدث عن تأثير توقف صادرات إيران على السوق، إلا أن ذلك ليس بالعامل الحاسم تماماً في شكل سوق الطاقة العالمي وبالتالي أسعار النفط.
بحث اجتماع جدة الوزاري لأغلب أعضاء منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) ومصدرين من خارجها يشاركون في اتفاق خفض الانتاج وضع السوق دون التوصل إلى أي توجه بانتظار اجتماع المنظمة وشركائها نهاية يونيو/ حزيران. ورغم أن التغطية الخبرية لاجتماع جدة ركزت على إيران، إلا أن المعضلة التي تواجه أوبك أكبر بكثير من توقف صادرات النفط الإيراني نتيجة تشديد العقوبات الأمريكية على طهران.
وكان وزير النفط السعودي واضحاً في تصريحاته في جدة بتأكيد استعداد أوبك للعمل على توازن السوق، مشيراً إلى أن أرقام المخزونات الأمريكية التي تتزايد بشكل كبير أسبوعياً تؤكد أن السوق لا يعاني نقصا في الامدادات. وربما تكون روسيا، الشريك الرئيسي لأوبك من خارج المنظمة في اتفاق توازن السوق، الأكثر قلقا من تلك الأرقام الواردة من واشنطن وتأثيرها في صادرات موسكو وعائداتها.
وسبق اجتماع جدة صدور تقرير منظمة الطاقة الدولية حول سوق الطاقة، ومن أهم ملامحه تخفيض الوكالة للزيادة في الطلب العالمي على النفط بنحو 90 ألف برميل يومياً هذا العام لتصبح الزيادة المتوقعة عند 1.3 مليون برميل يوميا. وإن أشار التقرير إلى تجاوز الطلب العالمي على النفط حاجز المئة مليون برميل يوميا للمرة الأولى بوصوله إلى 100.4 مليون برميل يوميا.
ومع أن تقرير وكالة الطاقة الدولية يغطي شهر إبريل، أي قبل تنفيذ القرار الأمريكي بوقف الاستثناءات الممنوحة لبعض الدول المستوردة للنفط الإيراني سعيا لوقف صادرات إيران تماما، إلا أن ما جاء في التقرير من توقعات لهذا العام وحتى منتصف العقد القادم لا بد أن يثير القلق بشأن نصيب أوبك من سوق الطاقة. ولا شك أن ذلك سيكون محور اجتماع أوبك نهاية يونيو حيث ستقرر المنظمة مع شركائها من خارجها (وبقيادة السعودية وروسيا) الإبقاء على اتفاق توازن السوق أم لا.
ورغم أن العالم كله يتحدث عن تأثير توقف صادرات إيران على السوق، إلا أن ذلك ليس بالعامل الحاسم تماما في شكل سوق الطاقة العالمي وبالتالي أسعار النفط. ومع أن الأسعار ارتفعت إلى ما فوق حاجز 70 دولاراً لخام برنت وحاجز ستين دولاراً للنفط الأمريكي الخفيف، إلا أن الزيادة المطردة في الأسعار منذ بداية العام (بنحو 40 في المئة) يمكن وصفها بالحفاظ على توازن السوق في نطاق سعر 60-70 دولاراً للبرميل.
تراجع انتاج إيران من 3.8 مليون برميل يوميا في 2017 إلى 2.61 مليون برميل يوميا في إبريل، وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يؤدي إلغاء الاستثناءات ضمن العقوبات الأمريكية إلى هبوط انتاج إيران إلى 800 ألف برميل يوميا بنهاية العام. وتسعى إيران للحفاظ على انتاج عند مستوى 1.5 مليون برميل يوميا وهو ما يمكنها من الصمود أمام العقوبات إلى حد ما.
لم تفلح محاولات إيران حتى الآن في اقناع الصين والهند، أكبر مستوردين للنفط الإيراني، بتحدي الحظر الأمريكي لكن استمرار الحرب التجارية بين الصين وأمريكا قد تجعل الصين أقل التزاما بعقوبات أمريكا على طهران. تبقى تركيا التي تستورد قدراً أقل من نفط إيران، لكن حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان لا يوثق فيها كثيرا وفي حال توفر لها بديل ستلتزم بالعقوبات الأمريكية بصرامة.
وبحساب المتوسط، يتوقع أن يفقط الكلب العالمي في الأغلب 1.8 مليون برميل يوميا من النفط الإيراني على أقصى تقدير. أضف اليها نحو 300 الف برميل فاقد اضافي من نفط فنزويلا (المتوقع هبوط انتاجها إلى 800 ألف برميل فقط نتيجة العقوبات الأمريكية كذلك) واحتمالات فقدان نصف مليون برميل يوميا من النفط الليبي في أسوأ الحالات يكون متوسط الفاقد من المعروض العالمي عند 2.5 مليون برميل يوميا تقريبا.
يقضي اتفاق توازن السوق بين أوبك ومنتجين من خارجها بخفض سقف الانتاج بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا، بدءا من أول يناير وحتى نهاية يونيو. وبالطبع تتحمل السعودية من أوبك وروسيا من خارجها النصيب الأكبر من ذلك الخفض.
يبقى العامل الأهم، حتى من انتاج أوبك وروسيا، هو الزيادة المطردة في الانتاج الأمريكي الذي وصل إلى 12.2 مليون برميل يوميا (أي أكثر من انتاج السعودية وروسيا). وتتوقع وكالة الطاقة الدولية زيادة انتاج أمريكا من النفط ومكثفاته بأكثر من مليون ونصف المليون برميل يوميا (1.6 مليون برميل منها 1.2 برميل يوميا من الخام) هذا العام. وهكذا ستكون الزيادة في الانتاج الأمريكي نحو ثلاثة أرباع الزيادة في الانتاج العالمي (أكثر من 70 في المئة) في السنوات الخمس المقبلة.
يأتي أغلب تلك الزيادة من النفط الصخري الذي يزيد انتاجه بمعدل 40 في المئة، ويستفيد أيضا من ارتفاع الأسعار فوق حاجز الستين دولاراً للبرميل. لذا يزيد المخزون النفطي الأمريكي بمعدلات عالية جدا في الأسابيع الأخيرة ليصل إلى أعلى من متوسط خمس سنوات عند 456.6 مليون برميل منتصف إبريل. وإذا استمر معدل نمو الانتاج الحالي ستصل صادرات أمريكا من النفط بحلول عام 2024 إلى نحو 9 ملايين برميل يوميا، أي أكثر من صادرات روسيا ومقتربة من صادرات السعودية.
وبحسبة بسيطة، نجد أن الزيادة السنوية في الانتاج الأمريكي تتجاوز الزيادة المتوقعة في الطلب العالمي بنحو نصف مليون برميل يوميا. وبطرح ذلك التجاوز من الانخفاض المتوقع في المعروض نتيجة «تصفير» صادرات إيران واستمرار هبوط انتاج فنزويلا واحتمالات تراجع انتاج ليبيا نجد أن سقف انتاج أوبك في ظل اتفاق توازن السوق مع منتجين من خارجها يعوضه تماما. وبالتالي فإن أي زيادة في انتاج أوبك تخاطر بدفع الأسعار نزولا نحو حاجز 50 دولاراً للبرميل وربما في أسوأ السيناريوهات حاجز الثلاثين دولاراً.
في الوقت نفسه، تبقى مشكلة فقدان أوبك لنصيبها من سوق الطاقة العالمي لصالح الولايات المتحدة تحديدا. وهنا لا بد أن نأخذ في الاعتبار أن استمرار الحرب التجارية التي تشنها أمريكا على شركائها في العالم، وفي مقدمتهم الصين، من شأنها أن تضغط هبوطا على معدل الطلب العالمي على الطاقة. أضف إلى ذلك أن سعي أوبك للحفاظ على الأسعار يدعم مجددا انتاج النفط الصخري في أمريكا.
ذلك هو مصدر القلق الحقيقي لأوبك، والمنتجين من خارجها خاصة روسيا، في اجتماعهم المقبل في نهاية يونيو. والأرجح أن تبقي المنظمة على اتفاق توازن السوق مع المنتجين من خارجها، مع تعهد بسد أي نقص في المعروض العالمي دون أن تغامر بإضافة فائض معروض أكثر مما تسببه زيادة الانتاج الأمريكي.

* كاتب صحفي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"