مقتل البغدادي ومآلات «داعش»

03:34 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.إدريس لكريني

أعلنت السلطات الأمريكية قبل أيام عن مقتل أبوبكر البغدادي، زعيم تنظيم «داعش»، معتبرة أن الأمر يتعلق بنصر كبير في مواجهة الإرهاب، ومؤشر إيجابي على نجاعة الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة، وبعض شركائها في التضييق على هذا التنظيم الخطير، الذي خلّف الكثير من المآسي والعمليات الخطيرة التي تجاوزت سوريا والعراق، إلى داخل التراب الأوربي، وشمال إفريقيا.
جاء هذا الإنجاز، وبحسب الرواية الأمريكية، نتاج عملية قامت بها القوات الأمريكية وبتنسيق مع مجموعة من الأطراف، ما سمح بنهاية زعيم التنظيم الإرهابي، الذي أثار في السنوات الأخيرة الكثير من الجدل بفعل تحركاته الخطيرة في المنطقة، والحديث كل حين عن استهدافه واغتياله.
لقد استطاع تنظيم «داعش» أن يتمدد، ويبسط هيمنته ومنطقه داخل عدد من المناطق في العراق، وسوريا، ما أتاح له استقطاب عدد من المقاتلين من مناطق مختلفة، والقيام بعدد من العمليات التي عقّدت، وأربكت الأوضاع داخل هذين البلدين العربيين، مستغلة تدهور الأوضاع السياسية والاجتماعية والعسكرية داخل هذه الفضاءات.
ومع القضاء على قيادات ورموز الجماعات المسلحة، تتجدّد النقاشات السياسية والأكاديمية بصدد مستقبل هذه الجماعات، وما إذا كان رحيل رموزها سيتيح التقليل من أخطارها، وانتشارها، ففي أعقاب الإعلان عن مقتل «أبو مصعب الزرقاوي» في صيف عام 2006 في العراق، ومقتل زعيم القاعدة «أسامة بن لادن» في صيف عام 2011 في باكستان، ساد الاعتقاد بأن مقتلهما على أيدي القوات الأمريكية، سيتيح محاصرة تنظيم القاعدة، وتراجع عملياته، وكل الحركات الإرهابية في العالم، غير أن تطور الأحداث أبرز تمدّد التنظيم في عدد من مناطق التوتّر كاليمن، والصومال، والعراق، وسوريا، وليبيا، ومالي، والتحالف مع جماعات مسلحة أخرى، بل وبروز جماعات أكثر خطورة وتدميراً، ويتعلق الأمر بتنظيم «داعش» فيما بعد.
لا شك في أن مقتل «البغدادي» يشكّل ضربة موجعة لتنظيم «داعش»، تنضاف إلى مجموعة من التراجعات والهزائم التي تلقاها خلال السنوات الأخيرة، مع اشتداد حدّة المعارك والعمليات التي استهدفته داخل كلّ من العراق وسوريا، برّاً وجوّاً، مع تعزيز التعاون والتنسيق بين مختلف الدول في ها الصدد. ما سمح بتضييق الخناق على التنظيم، وانتزاع الكثير من المناطق التي كان يسيطر عليها.
وانطلاقاً من التجارب السّابقة في هذا الصدد، لا يعني فقدان التنظيمات المسلّحة قياداتها تراجع أو اندحار هذه الأخيرة، وبخاصة أنها تعمل على تحويل هذه المحطات إلى كسب تعاطف وانضمام بعض المقاتلين الجدد، وإلى نهج طرق وسياسات جديدة، تسمح بالاستفادة من الأخطاء، وتوسيع دائرة النفوذ، والعمل على خلط الأوراق والحسابات من جديد، عبر اختيار قيادة جديدة قادرة على تجاوز المشاكل الراهنة، أو القيام بعمليات انتقامية في المنطقة، أو خارجها للفت الأنظار، كمحاولة لإعطاء الانطباع بعدم تأثّر قوة التنظيم بهذه الأحداث المتتالية..
ومع ذلك، يمكن القول، إن مقتل البغدادي، إلى جانب عدد من القيادات الكبيرة داخل التنظيم، والتي تتزامن مع الهزائم المتتالية التي تلقاها هذا الأخير في السنوات الأخيرة على الأراضي السورية والعراقية، يشكل فرصة حقيقية لتشديد الخناق على تحركاته، عبر إرساء قدر كبير من التنسيق والتعاون، يسمح بتفكيك خلايا التنظيم في عدد من المناطق في آسيا، وشمال إفريقيا، وتضييق هامش التحرك والمناورة أمامه.
وثمّة أسئلة كبرى، تطرح بحدّة مع هذا الحدث الذي تم الترويج له على نطاق دولي واسع، ويتعلق الأمر بانعكاساته المحتملة على مسار الأزمة السورية، والوضع الداخلي في العراق. وبخاصّة أن الدولتين معاً، عانتا بشكل كبير من العمليات والتحركات التي باشرها هذا التنظيم، والتي عقدت الأوضاع أكثر، وضاعفت من حجم المعاناة الإنسانية داخل البلدين.
وقد طرح السؤال أيضاً، حول مستقبل القوات الأمريكية داخل سوريا، وما إذا كان هذا الحدث سيوفّر إحدى الشروط المناسبة لرحيلها، ويبدو أن الولايات المتحدة ما زالت مصرّة على البقاء بقواتها العسكرية داخل التراب السوري، بذريعة حماية حقول النفط، وهو ما يمكن أن يشكل عاملاً داعماً لعودة الجماعات المسلحة إلى الواجهة من جديد، بذريعة مواجهة القوات الأجنبية.
ولا تخفى انعكاسات مقتل زعيم «داعش» المحتملة على مستقبل التنظيم، وعلى الجهود الدولية المتصلة بمكافحة الإرهاب، لكن الأمر يفترض استحضار احتمالات عدة أيضا، فقد يؤدي الأمر إلى تفكيك التنظيم، ورجوع العديد من مقاتليه إلى بلدانهم الأصلية، ما يشكل قنبلة موقوتة تطرح إشكالات خطيرة أخرى، كما قد يسمح ذلك كذلك بتقوية عدد من الجماعات المسلحة الأخرى، وتعزيز عودتها إلى واجهة الأحداث من جديد.
وبغض النظر عن كل هذه الاحتمالات، تبقى الاستفادة من هذا الحدث مطلوبة، وهي رهينة باستيعاب حجم الخطر الذي تظلّ تشكله الجماعات الإرهابية بغض النظر عن رحيل قياداتها، ورموزها، أو بقائهم، وببلورة استراتيجيات وطنية وإقليمية تدعم التعاطي مع الظاهرة بقدر كبير من الشمولية، والاستباقية، والنجاعة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"