ملامح فشل أونجاح دول

03:30 صباحا
قراءة 4 دقائق
لويس حبيقة

هنالك دول تنجح وتزدهر وأخرى تفشل. ليست الأسباب قضاء وقدراً أو مصائب كبرى لا يمكن مواجهتها، وإنما قرارات سيئة متراكمة اتخذتها تلك الدول عبر استفتاءات أو قوانين أو إجراءات معينة أضرت بالدولة واقتصادها. المثال الأفضل الأخير فهو «البريكسيت» الذي، إذا نفذ، سيقسم بريطانيا ويضعف اقتصادها ويسيء إلى مصالح شعبها. هل أسباب «البريكسيت» سياسية فقط، أم أن هناك أسباباً اقتصادية، حيث لم يتعمم النمو على طبقات الشعب والمناطق كافة؟ ربما الاثنان معاً وعلى البريطانيين تحديد المسؤوليات وليس وضع الملامة فقط على «كاميرون» و«كوربين». هنالك تردد في التنفيذ من ناحية البريطانيين بعد الوعي المتأخر لقرار الخروج مما يفسر تأجيل تقديم الطلب الرسمي لترك الوحدة الأوروبية. من ناحية أخرى، يوجد إصرار أوروبي على بدء عملية الانفصال حتى تخف تقلبات الأسواق، ويعود الجميع إلى ممارسة الأعمال العادية تخفيفاً للخسائر ومحاولة لدعم النمو.
يوجد مثال آخر هو إسبانيا التي كانت قوية اقتصادياً لعقود، لكن فشلها مؤخراً في تشكيل حكومة جديدة منذ بضعة أشهر سيؤخرها اقتصادياً، ويقلل من نسبة النمو ويرفع البطالة. أيضاً قرارات خاطئة متراكمة اتخذت على مدى سنوات قبل أزمة 2008 وبعدها تعطي اليوم نتائج سلبية خطرة. هنالك أيضاً مطالبة بالتقسيم أو الاستقلال من بعض المكونات العرقية، ربما تدفع إسبانيا إلى نفس المصير البريطاني. من ناحية أخرى، توجد دول ك»ايسلاندا وإيرلندا» أحسنت اختيار القرار الاقتصادي بعد أزمة 2008، وها هي تعود إلى النمو والازدهار. تشير هذه الأمثلة إلى أهمية نوعية القيادة الوطنية للدولة، إضافة إلى محتوى القرارات التي تتخذ من ناحيتي التوقيت وسهولة التطبيق في عالم مترابط ومعقد.
باختصار قبل سنة 2008، كان العالم ينعم لعقود بنمو قوي لم يعرف مثله في التاريخ الحديث، لكن النجاح لم يستمر ليس بسبب الصدفة، بل بسبب القرارات الوطنية والدولية الخاطئة التي أنتجت بطالة مرتفعة وفجوات خطرة بين الميسورين والفقراء كما سببت إلى حد بعيد التشنج العمالي والاجتماعي الحاصل دولياً. سببت هذه القرارات أيضاً فترات طويلة من الجمود التي نسيها العالم وعاد ليعيش معها ولا يعرف كيف يتخلص منها. أما «الربيع العربي»، فنتج عن عقود من الظلم والفقر وسوء الممارسة الرسمية، وبالتالي حاول الشعب التغيير، لكن النتائج لم تكن بمستوى الطموح. الأسباب عديدة وتختلف من دولة إلى أخرى، لكن لا يمكننا القول إن الأوضاع الاقتصادية في الدول التي عرفت «ربيعاً» تحسنت إنما العكس هو الصحيح في معظمها. مجدداً مشكلة نوعية القيادات الجديدة والقرارات السيئة التي اتخذت وعبرت عن سوء التحضير وعدم المعرفة والميل إلى المصالح الشخصية على حساب المصلحة العامة هي الأسباب.
من مظاهر فشل أو نجاح الدول الهجرة، حيث يرغب المواطن في ترك الدولة التي لا تقدم له الحقوق والخدمات البديهية، ويهاجر إلى تلك التي تحترم حقوقه. المخاطرة في مغادرة بعض دول المنطقة ربما يدعو للعجب لأنها مغادرة نحو المجهول عبر وسائل نقل خطرة وغير إنسانية، لكنه يعبر عن يأس لبعض المواطنين من نتائج «الربيع» وفقدانهم أي أمل في التحسن. ربما هذا الشعور غير صحيح وليس مبرراً، لكنه يوجد بوضوح عبر الأعداد الكبرى التي تهرب من المنطقة وتفقد في البحار أولادها وأفراد عائلاتها. أياً كانت أسباب هذا الشعور، يوجد إهمال واضح لحقوق المواطن ولمعالجة الأسباب التي دفعته إلى الهجرة بهذه الشروط. ما يدعو للعجب أن المجتمع الدولي يعالج نتائج المشكلة وليس أسبابها، أي ما الذي دفع المواطن إلى اتخاذ هذه القرارات الخطرة. هنالك الإهمال الدولي الواضح لحقوق المواطن العربي ودور المجتمع الدولي في الوصول إلى هذه النتائج منذ أيام الاحتلال والانتداب إلى الاستعمار الاقتصادي والسياسي المستمر. على المجتمع الدولي مساعدة شعوب المنطقة على تحسين أوضاعها كي لا تهاجر وبالتالي معالجة أسباب وجذور المشكلة وليس نتائجها، حيث لا تنفع الحلول.
لا شك أن اللجوء هي مشكلة العصر، حيث ارتفع العدد من 1.25 مليون شخص في سنة 1990 إلى 1.50 مليون في سنة 2005 مجموع اللاجئين حتى سنة 2015 هو 65,3 مليون مع زيادة واضحة في السنتين الآخرتين. المصدر الأساسي للاجئين مؤخراً هي منطقتنا تتبعها دول جنوب شرق آسيا وثم المكسيك. من ضمن دول المنطقة، تتفوق سوريا بسبب الحرب المدمرة التي تعيشها منذ سنة 2011 يتبعها العراق والسودان ودولة جنوب السودان واليمن. الأسباب متعددة من السياسة إلى الاقتصاد والاجتماع والحقوق الإنسانية والظلم وغيرها. المصدر الأساسي للاجئين ليس بالضرورة الدول الفقيرة، كما أن الدول المضيفة ليست بالضرورة الدول الغنية.
تقول الإحصائيات إن الأكثرية الساحقة من اللاجئين تعيش في دول لا تملك الموارد الكافية واللازمة لاستضافتهم كإثيوبيا وباكستان وأوغندا والكونغو. من هنا، يشكل اللجوء ثقلاً كبيراً على الدول المضيفة كما تشهد عليه أيضاً الحالة اللبنانية تجاه الفلسطينيين في القرن الماضي، ومؤخراً تجاه السوريين. في إحصائيات الأمم المتحدة ونسبة لكل ألف مواطن، يعد لبنان الدولة الأكثر استضافة في العالم أي 209 من كل ألف يليه الأردن مع 90. المعروف أن لبنان والأردن يعتبران من الدول الناشئة التي لا تستطيع أن تكفي حاجات سكانها، فكيف تهتم بالضيوف جاؤوا قسراً إليهما. المساعدات الدولية الهادفة لمعالجة مشكلة اللجوء ما زالت قليلة نسبة لحجم المشكلة، وإن أتى بعضها بشكل متأخر. هل هذا مقصود؟ أو يعبر عن عجز دولي في إدارة مشكلة كبرى متفاقمة.سابقاً كان اللجوء لأسباب اقتصادية بهدف العيش الكريم، كما هو الحال بالنسبة للاجئين المؤقتين إلى دول مجلس التعاون الخليجي. الذين يرغبون في الحصول على الغنى المادي ونسبتهم من السكان مرتفعة، لكنهم يعملون للمصلحة المشتركة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"