مناهج تعليم الأطفال اللاجئين

03:39 صباحا
قراءة 5 دقائق
صالحة غابش
يستحق الحديث عن تعليم الأطفال اللاجئين في المخيمات كل اهتمام لدى ذوي الاختصاص، لا في مجال رعاية اللاجئين والقيام على احتياجاتهم المعيشية، بل ولدى أصحاب المناصب والمهن والخبرة في التربية والتعليم على مستوى العالم . . وخاصة العالم العربي الذي ينتمي إلى عروقهم معظم اللاجئين في العالم إن لم يكونوا كلهم في ظل الأحداث القاسية التي تحيق بالأمة .
لقد كان التطرق إلى تعليم الأطفال اللاجئين في المؤتمر العالمي "الاستثمار في المستقبل" والذي عقد مؤخراً في الشارقة يسود الجلسات، التي استمعنا فيها إلى سرد تجارب مؤسسات وأفراد قاموا بزيارة اللاجئين وعايشوا يومياتهم واطلعوا على أحلامهم، وتفاعلوا مع مأساتهم تفاعلاً أدى إلى نتاج عملي لصالحهم بالرغم من محدوديته لكثرة اللاجئين وتدفقهم المستمر على الحدود، مما يتطلب تضافراً دولياً كبيراً، وعلى الرغم مما في هذه الأنشطة من أهمية قصوى ترفع معنويات اللاجئ وتشعره بالأمان وتعزز ثقته بأن في العالم لا يزال هناك من يلمسه بيد حانية، ويحتويه بقلب محب صادق، إلا أن هناك حاجة ملحة إلى تعليمهم، تتطلب خروجاً بآليات عملٍ في هذا المجال الحيوي يدلي فيه بجهده من يستطيع لتخريجهم من ظلمات الحيرة والشتات الذهني إلى نور الأمل بالله أولاً، وبأن ما يعانونه تحد يزيدهم قدرة على المواجهة بمساعدة العالم ومؤسساته الإنسانية والتعليمية .
إن التعليم يعني وجود منهج دراسي تسير عليه عملية التعليم التي تستظل بمبادئ واتجاهات خلقية لا بد من زرعها في نفس المتعلم وفكره وسلوكه، والأخذ باقتناعاته إلى أبعاد حياتية ذات صلة بوجوده ووجود من حوله، ولأنها تدله على شكل العلاقة التي تربطه بهم . . سواءً أقرباء وأرحام، أو جيران وأصدقاء ، أو غرباء في مجتمعه أو غير مجتمعه .
أين هو المنهاج الدراسي إذاً؟ بمعنى، هل يكفي جلب كتب الدراسة المعتاد أن يدرسها الأطفال في مدارسهم في البلدان المضيفة للاجئين، لتدريسها للاجئين الأطفال من دون مراجعة أو إضافة تتناسب مع أجواء واقعهم المرير؟ هل يدرس الطفل اللاجئ كتب الدين واللغة والحساب والعلوم والجغرافيا والتاريخ وغيرها كما هي، أم لا بد أن يؤلف لهم منهج خاص يعتمد في المقام الأول على أساسات في العلوم التي يدرسها أقرانهم، ويضاف إليها دروس بنائية خاصة بهم وبظروف تشردهم ولجوئهم إلى دول الجوار، نفرغهم بها من تشبعهم بالحيرة والأسئلة والضياع . . وربما كراهية لا تزال منزوية في نفوسهم قد تخرج في لحظة كالنار الحارقة التي لن تتوانى عن التهام كل ما في طريقه حتى الخير والسلام، في حالة انتقامية تولدت من شعوره أن العالم كله كان ضده في طفولته، حين لم يكن يملك حيلة في يديه يدفع بها الظلم عن نفسه . . وعن والديه وإخوته وأصدقائه وكل من أحبهم وشاركهم وشاركوه اليوميات الجميلة والذكريات . .
قد يحتاج الأمر منهاجاً دراسياً خاصاً لمدرسة الأطفال اللاجئين الذين خرجوا ذات ليلة أو نهار محملين بأسئلة لم يعثروا لها بعد على إجابات، هذه الإجابات يحسن بها وبنا وباللاجئ أن تكون في كتاب للدراسة، يدرسه، ويذاكره، ويطبق ما فيه ويمتحن نظرياته وتطبيقاته، فمن فهم أنه ضحية صراعات ظالمة لا تعبر عما في الحياة من جمال يأخذ نجمة، ومن فهم أن هناك في العالم لم يعجبهم أن يعذب ويشرد ويترك للمعاناة والأوجاع هو وأهله يأخذ نجمة ويقال له أحسنت . .
من أدرك أن لا بد من التحدي، فالحياة كلها صعاب وتحديات، والتحدي الذي يواجهه قد يكون الأقوى من نوعه والأصعب عليه لصغر سنه يأخذ نجمة ويقال أحسنت .
ومن أدرك عبر منهج يتعلمه أنه عليه أن يبدأ ببناء ذاته، ولا يسمح لها بالانهيار، وأن يعد عدته لمواجهة المستقبل والاستثمار فيه، وأن أول العتاد هو العلم المقرون بآداب وأخلاق . . يأخذ نجوماً ويقال له أحسنت أحسنت أحسنت . .
وإن صعب تبديل كل ما في المنهج الدراسي لهؤلاء الأطفال، إذاً يمكن إضافة كتب لإعادة بناء الذات، وبناء الأفكار وبناء السلوك الحسن والنظرة للمستقبل "تؤلف خصيصاً لهم"، ويشارك فيها ذوو الخبرات الحقيقية في مسائل التنمية . . أذكياء . . مبدعون . .متمرسون في عملية التعليم وقبلها التربية، لديهم لغة ذات مستوى عالٍ من الإقناع، تتضمن أبعاداً تشويقية وتحبيباً في العيش المستقر والآمن في ظلال الأخوة والصداقة وكل العلاقات الطيبة بين البشر، وتعيد إلى نفوسهم البريئة الثقة بمجموعة القيم الأساسية لبناء الإنسان الإنساني . . والتي ربما تكون قد تعرضت للتصدع نتيجة الأحداث التي زلزلت القناعات والمصداقية التي يتحدث بها أب أو معلم عن أهمية قيم العيش بسلام على هذه الأرض من تسامح ومحبة وحب وسلام واحترام .
على درس الدين أن يبين تسامح الإسلام عبر حكايات وقصص من التاريخ، من القرآن الكريم والسنّة الشريفة ومن التابعين، وأن يتعلم من الصحابة الكرام كيف مارسوا روح كتاب الله الذي يدعو إلى وحدة الطريق على أسس إنسانية يعم خيرها كل البشرية مهما اختلفت دياناتهم وانتماءاتهم وأعراقهم .
على دروس اللغة العربية أن تقدم مقالات وقصصاً مؤثرة من الخيال أو الواقع . . من الماضي والحاضر والمستقبل . . وتتناقش الأحداث بشفافية وبالمستوى الذي يناسب أعمارهم ونضجهم الفكري . . تعلمهم قراءة الواقع من وجهه نظرهم ليعلموا ما يهاجم فكرهم ورؤاهم ثم يوجهوا إلى مناطق النور في حياتهم ويعملوا على إبقائها مضاءة، كما تطلعهم على أجمل القصائد وفنون النثر الأدبي التي تحمل في طياتها معاني الجمال والمحبة . .
على دروس التاريخ أن تسرد النهايات البشعة للذين سولت لهم أنفسهم أن يعيشوا ضد التيارات الإنسانية ومصالحها العليا، عليهم أن يقرؤوا التاريخ ويتعلموه . . يتعلموه جيداً . . لعلنا ننشئ جيلاً يتعلم من التاريخ .
على دروس العلوم أن تهدف إلى بناء الواقع عبر الاستغراق في العلم والبحث العلمي والقراءات المختبرية والاكتشافات والاختراعات . . وأن يكون هدف المناهج صناعة رجال علم وبحث في شؤون الفكر والحياة . .
على دروس الجغرافيا أن تعلمهم أنه بالرغم من الحدود المرسومة على الخرائط، إلا أن الوطن له امتداد واحد، الوجدان بكل مقوماته التي درسناها وما زلنا ندرسها والتي تشكل القيم المشتركة التي تجمع أهل هذا الوطن الكبير . .
نعم، يحتاجون إلى منهاج - أو جزء من منهاج -خاص بهم . . وأرجو ألا يكون هذا مطلباً لا يرقى إلى الواقعية، أو حلماً ترفياً لا يتواءم مع المجهودات المبذولة لإنقاذ الأطفال من مأساتهم .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"