من الفن إلى السياسة . . طريق محفوف بالمخاطر

05:36 صباحا
قراءة 4 دقائق

الفن والسياسة عالمان مختلفان لكل منهما قضاياه الخاصة، ولكل منهما أناسه المتميزون بتركيبتهم الشخصية وطريقة تفكيرهم . مع ذلك،قد يلتقي هذان العالمان في بعض النقاط فيحصل بينهما انصهار واندماج بشكل أو بآخر . . أَوَ لا يظهر رجال السياسة في كثير من الأحيان على شاشات التلفزة وقد فتنتهم النساء الجميلات بحسنهن؟ أَوَ لم تُنسج القصص والحكايات حول هذا الموضوع الذي تلتحم فيه السياسة بالفن؟

عندما كنا نضيع في متاهات السياسة الملتوية، كنا نهرب إلى عالم الترفيه، لكننا كنا نلاحظ دوماً أننا لو توجهنا في أي من هذين العالمين، نجد الواحد منصهراً بالآخر حتى ليغدو الاثنان وكأنهما عالم واحد .

في الماضي كنا نشعر أن حياة المشاهير الخاصة لغز يصعب حله . أما اليوم، وبفضل الوسائل الإعلامية المختلفة وشبكات التواصل الاجتماعي، فقد أزيح الستار عن الخصوصية، ولم تعد حياة هؤلاء البشر محاطة بالغموض . وتبين لنا أن المشاهير مثلهم مثل الآخرين، أناس عاديون وليس كما كنا نظن .

وإذا كان للنجوم هالتهم التي تجعل المعجبين يلتفون حولهم، فإن هذه الهالة قد تفقد بعضاً من وهجها عندما يختار أحدهم الانخراط في نشاط سياسي ظناً منه أنه سيزيد من قدسيته لدى معجبيه، فتراه يتبنى قضية ما، ويرفع صوته بين الجماهير في محاولة للتعبير عن رأيه، لكنه لا يدري أن لحرية التعبير هذه ثمنها، وأنها مجازفة كبيرة قد تكلفه خسارة معجبيه .

إن المواقف السياسية لبعض النجوم، قد تدمر الشعور بالحب في قلوب المعجبين، وقد يحوّل التمسك ببعض المواقف الحب إلى نفور، بل إلى كراهية واحتقار .

أليس من الأفضل لنجم جمع حوله الشهرة والمجد والمال، أن يظل على الحياد إن لم يكن قادراً على استغلال قاعدته الشعبية الكبيرة في بلوغ ما يسعى إليه؟

هذا ما حدث مع الفنان المصري تامر حسني الذي لبى نداء الحكومة فتوجه إلى ميدان التحرير في عز الثورة المصرية وفوران الشعب، ليثني المتظاهرين عن ثورتهم ويطلب إليهم العودة إلى منازلهم .

لقد توجه تامر إلى المكان الصحيح ولكن بهدف خطأ، فما كان من الثوار إلا أن أوقعوه أرضاً ونبذوه من الميدان . . وتهافت الشباب الذين كانوا يستمعون لأغاني تامر حسني بكل اندفاع ويهتفون حبا به، ليشاهدوا مقاطع الفيديو التي ظهر فيها وقد طرح أرضا وهو يبكي بكاء مراً، بعدما تعرض للإهانة من إخوانه أبناء مصر الثائرين .

وفي ليبيا، كشفت الثورة أن سيف الإسلام القذافي قد دفع للمغنيتين الأمريكيتين نيلي وبيونسيه ملايين الدولارات من أجل الغناء في حفل عيد ميلاده . لكن الفنانتين الشهيرتين، أعادتا إلى الشعب الليبي المال لأنهما أدركتا أن ذلك الشعب الثائر لن يسكت، وأن رد فعله تجاه تلك العلاقة بين الوضع السياسي القائم والاستمتاع بالغناء على حساب الناس سيكون قاسياً . وقد نفت المغنيتان بعد إعادة الحق إلى أصحابه أي علاقة لهما بأموال ذلك الديكتاتور .

أما في لبنان، فقد اضطرت الفنانة البلجيكية لارا فابين إلى إلغاء حفلتها التي كانت ستقيمها في عيد الحب في الرابع عشر من الشهر القادم، بسبب الاحتجاجات الشعبية على دعمها لإسرائيل بعد إدلائها بتصريحات تؤكد ذلك .

ومن جانب آخر، أدت تصريحات كل من الممثل الأمريكي ميل غيبسون ومصمم الأزياء الشهير جون غاليانو ضد اليهود، إلى إقالة غاليانو من منصبه رئيساً لشركة كرستيان ديور الفرنسية للأزياء، كما أصبح الحصول على أي عمل من إنتاج هوليوود صعباً على غيبسون .

إن رد فعل الشعوب تجاه المواقف السياسية المختلفة، لا يقتصر على نجوم الفن والغناء فقط، بل يتعداه إلى نجوم الرياضة الذين يملكون في الغالب رصيداً جماهيرياً وشعبياً كبيراً، ففي البحرين اضطر بعض لاعبي الكرة إلى الانسحاب من الدوري بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات، بعدما تم الكشف عن أسمائهم وفضحهم على شاشات التلفزة البحرينية .

برأيي، يجب أن يبقى الفن في منأى عن السياسة كي يكون الحكم عليه مجرداً لا تدخل فيه المشاعر الشخصية، فلو حكمنا على لوحة جميلة من خلال رأينا باليد التي أمسكت بالريشة ورسمتها، فسيكون حكمنا تعسفياً، وكذلك يكون الحكم على قصيدة حب تفيض بالمشاعر إن فكرنا بأن الشاعر الذي نظمها شخص بعيد عن العاطفة ودفق الأحاسيس؟

إن الفن والسياسة عالمان مختلفان مثل كل العوالم الأخرى التي قد يمتزج فيها الأبيض والأسود فتصبح رمادية، والخروج من عالم ننتمي إليه سيكون محفوفاً بمخاطر قد لا نضعها في الحسبان .

في عالم السياسة، قد يكون من شأن المواقف والآراء أن تسمو بصاحبها إلى قمة القضية، أما في عالم الفن والترفيه فإن بعض المواقف قد تتحول إلى حبل مشنقة يمكن أن يهدد الحياة في أي لحظة .

قد يكون الفنان حراً في اتخاذ القرار الذي يعجبه، لكنه لن يدفع الثمن وحده إن أخفق في الوصول إلى غايته، لأن من أحبه وقدره من المعجبين سيصبحون غير قادرين حتى على النظر في وجهه!

Email: [email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​رئيس تحرير صحيفة Gulf Today الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"