مَن يمسح دموع الخائبين في أحلامهم؟

05:51 صباحا
قراءة 4 دقائق

هل توفي "النظام العربي الإقليمي"، حينما فقد سمة الأمن القومي، وانكشف أمام الاختراق الخارجي، وتفجرت عنفاً، التفاعلات بين أعضائه، وفقد تأثيره ودوره، في الإقليم والعالم؟
هل سيكون نبيل العربي، آخر الأمناء لمؤسسة هذا النظام، بعد محاولة الجامعة لعب دور "ضابط الحركة" في شبكة تفاعلات مجتمعات عربية ثائرة (منتقاة)، وتغيير الدور التقليدي للجامعة العربية، إلى دور شعبوي، داعم لتغيير "نظم" رسمية . وتوفير غطاء (عربي) شرعي لتدويل القضايا العربية؟
حسناً . . ربما يكون هذا الرهان غير وارد الآن، لكنه غير مستبعد في الغد المنظور، فالجامعة العربية، تعيش الآن، حالة شيخوخة، بعد أن وهنت عظاماً وفكراً وذاكرة ومؤسسات، وصارت غير قادرة حتى على تقديم نفسها، ولو من خلال بيانات وتصريحات من غير دسم، لا تقدم ولا تؤثر في المشهد العربي المتفجر، ولا في نظام إقليمي يوشك على الموت، قبل أن يولد نظام إقليمي جديد مختلف .
هل نبالغ في القول، إنها أضحت "جامعة مريضة"، رغم أنها مازالت تمثل "مشروعاً" لم ينفذ لنظام عربي، وفق ما قاله محمد حسنين هيكل قبل أسبوعين، وهي لم تعد المؤسسة أو الإطار الذي يمكن من خلاله، إنقاذ العالم العربي من التمزق والغرق، ووقف انتشار فيروس العصاب الطائفي والعرقي، ومواجهة مشاريع إعادة رسم الخرائط الجغرافية والسياسية والديموغرافية؟
تذكرت، يافطة لفتت انتباهي على مبنى كبير في شارع قريب من البيت الأبيض في واشنطن، قبل نحو عقدين، مكتوب عليها "منظمة الدول الأمريكية" تأسست في العام 1948 وتضم 35 دولة في أمريكا الشمالية والجنوبية، وتسعى لتأمين دفاع جماعي، وتعاون إقليمي، وتسوية سلمية للنزاعات، ويتحدث ميثاقها عن (أي عدوان ضد أي بلد أمريكي، يعد عدواناً ضد جميع هذه البلدان)، وهو مماثل لميثاق الجامعة العربية .
وتقول وثائقها، إن هذه المنظمة قمعت ثورة في الدومينكان عام ،1965 ومنعت غزواً لهندوراس، من قبل السلفادور . . ثم راحت المنظمة في غيبوبة، واكتفت بمتابعة أوضاع حقوق الإنسان في الدول الأعضاء . . ومازالت قائمة .
تذكرت هذه المنظمة الأمريكية، وأنا أتابع أحوال جامعتنا العربية، والشيء بالشيء يذكر . . حتى إشعار آخر .
تساؤلات جريئة أخرى
هل نحن أمام مشهد عربي واحد، بعد أن غرق عرب اليوم، في شرك الغلاة والفساد؟ وبعد أن فلتت الضوابط، وصار التحكم بالتطورات متعذراً، وضعفت مفاصل الدولة المركزية لكثير من الأقطار العربية، ولم تعد قادرة على نظم التوازنات السياسية والاجتماعية الداخلية بشكل عادل ومعتدل، وفتح صندوق "باندورا" الإغريقي، فاندلعت الشرور وغرائز المصالح الفئوية، وظهر عفن كبير تراكم وهجع في باطن المجتمعات .
هل دار في خلدنا يوماً، هذا الانقلاب وهذه الفوضى في منظومات القيم، إلى درجة هابطة، حيث يحمل فيها أهالي طلبة امتحان الثانوية العامة في بلد عربي الأسلحة النارية لاقتحام قاعات الامتحانات، ومساعدة الطلبة على الغش في الامتحان؟
سيمفونيات سوداء مماثلة، تكررت في السنوات الأخيرة، ثم جاءت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية تبشرنا "بغروب شمس العرب"، وتخبرنا بمدى ما جرى من تفكك داخلي وصراعات، وتمزق في النسيج الاجتماعي، وتنبؤنا بأننا أيضاً على مشارف حروب مائية في السنوات الآتية .
مشهد مرعب . . أليس كذلك؟
بالتأكيد، والواقع أن النخب السياسية والاقتصادية لا تنفي هذه المخاطر .
حسناً . . هل مشهد إقليم الخليج العربي، بعيد عن هذه التوليفة الصعبة؟ بمعنى آخر، هل مشهد منظومة مجلس التعاون الخليجي، على ما يرام؟ وسط هذا الركام، والدماء والعنف والتطرف، المنظومة لا تستطيع، حتى لو رغبت، أن تنأى بنفسها عما يجري في خواصر النظام الإقليمي العربي، وفي حدائقها الخلفية، كاليمن والعراق .
والمنظومة أيضاً، منفردة أو مجتمعة، لا تملك مناعة ذاتية مستدامة، لمواجهة شرر النيران، وتداعيات الزلازل في المحيط العربي، واتساع قوس التطرف وانتشار قواعده الجوالة، وتغير التحالفات، وتقدم أو انكفاء قوى فاعلة، وهي قوى تبدو الآن، أنها غير قادرة على التأثير في قرارات دول صغرى ومتوسطة، فضلاً عن عدم كفاية الاتفاقيات الظرفية لمواجهة الإرهاب وسعار الفتن المذهبية .
وأكثر من ذلك، فإن "العزف المنفرد" من بعض دول التعاون لا يطرب وسط فوضى الموسيقى، وتعدد "النوتات الموسيقية" والتي كتب بعضها مستشارون جوالون، ظنوا أنهم قادرون على اللعب في "فراغات" السياسة، فما احترموا عملاً جماعياً، ولا قدروا أهمية الاستقرار والعمل الجماعي، ولا ضرورة إحياء المشتركات .
ماذا يعني ذلك للمواطن الخليجي العربي؟
المواطن الخليجي العربي البسيط، يعيد هذه الأيام اكتشاف الدولة وضروراتها، بعد أن شاهد في السنوات الأخيرة، كيف أكل الناس بعضهم بعضاً في غيابها، وكيف تم استبدال الأعداء، وتصفية الحسابات الفئوية الهاجعة في الباطن .
المواطن الخليجي العربي البسيط، لا تشغله هذه الأيام مسألة الاتحاد الخليجي، مشاغله أكبر وأوسع، نوعاً ومدى .
تشغله قضايا السلم الأهلي، والنسيج الوطني، ولحمة الرابطة الوطنية، ولا يعينه كثيراً، لو انكفأت أمريكا على نفسها، فخطاياها بلا عد في أكثر من مكان في
العالم الإسلامي، وما ينفع الأوطان هو التفاهم والتوافق، والبناء الداخلي المتين والرشيد، والإنجاز التنموي المتوازن والمستدام .
يقلق المواطن البسيط في الخليج، التنافس السياسي بين دول منظومة التعاون، والأنماط الجديدة في السلوك السياسي للعلاقات بين أعضاء المنظومة .
يقلقه غياب المشروع السياسي الخليجي الجامع، والذي يحول هذه المنظومة إلى لاعب إقليمي ودولي مؤثر، لاعب متزن ومتوازن داخلياً وخارجياً، لاعب مسؤول، ونافع، ومصدر استلهام ثقافي وقيمي وحضاري .
يقلقه استمرار تحالفات ودعم أطراف من هذه المنظومة، لقوى متطرفة ومنظمة، صاحبة خبرة في العنف والإقصاء، عرفتها دول في الخليج عن قرب في العقود الماضية .
تقلقه ممارسة ألعاب سياسية غير حكيمة، في مواقع ذات حساسية عالية، قد تنعكس سلباً على مجمل أمن المنطقة، ومستقبل علاقاتها الخارجية .
يحلم هذا المواطن البسيط في الخليج، في تطوير ما حققه من إنجازات، باتجاه المزيد من الإصلاح، والارتقاء بنمط حياة مستدام، وبنوعية تعليمه وصحته وكرامته، ومشاركته المؤثرة في صنع مستقبله . وبما يمكنه من تنمية ذاته، وتكوين رأسمال اجتماعي عميق، وبنية وطنية متلاحمة، وملامسة العصر، والانخراط في نتاجه وعلومه ومعارفه، والتواصل المنظم مع عمقه العربي، تفاعلاً وتعاوناً .
يحلم أن تتطور رؤية منظومة مجلس التعاون، فلا تظل غائمة حيناً، وغائبة حيناً آخر، ومرتجلة في مبادرات، غير مكتملة في توافق ودراسة وبحث .
هل هي أحلام في محلها؟ أم أن الأمر عسير، والدرب طويل؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"