نتنياهو وحل «السلطة»

02:59 صباحا
قراءة 4 دقائق
محمود الريماوي

لوحظ أن بنيامين نتنياهو قد حذر مؤخراً من انهيار السلطة الفلسطينية، وقد جاء التحذير بعبارات ملتوية من قبيل قوله إن عليهم في «تل أبيب» الاستعداد لاحتمال انهيار السلطة الفلسطينية، وأنه يجب منع حدوث ذلك قدر الإمكان والاستعداد في المقابل لإمكانية حدوثه، وانعكاس ذلك من الناحيتين المدنية والأمنية. التصريحات نقلتها صحيفة «هآرتس» التي قالت إن مجلس الوزراء السياسي (المصغر) خصص مؤخراً جلستين لبحث احتمال انهيار السلطة.

أتت هذه التصريحات في أجواء الهبّة الفلسطينية والتوقف التام للمفاوضات وانسداد فرص إطلاقها، وإخفاق الوزير الأمريكي جون كيري في تحريك عجلة المفاوضات رغم زياراته التي لم تنقطع خلال العام الماضي ل «تل أبيب» ورام الله. وكان كيري نفسه قد حذّر في ديسمبر/كانون الأول الماضي من احتمال انهيار السلطة! ورأى أن بعض «الإسرائيليين» يرحبون بذلك، ولكن من دون أن يشرح أسبابه التي تجعله يتوقع حدوث هذا الأمر، غير أنه بدا مفهوماً وضمنياً أن تجدد ما يسمى موجة العنف في الأراضي المحتلة هي التي حملت كيري على إطلاق هذا التحذير.

وقد بادرت وزارة الخارجية الفلسطينية إلى إصدار بيان شديد اللهجة وصفت فيه تصريحات نتنياهو بأنها تعكس نوايا مبيتة وخبيثة وأنها شكل من أشكال استغفال المجتمع الدولي، وحمّل بيان الخارجية «إسرائيل» المسؤولية الكاملة عن تدهور الأوضاع وانسداد الأفق السياسي. واعتبرت الخارجية أن نتنياهو يعمل على إضعاف وتدمير وتقويض وسحب صلاحيات السلطة.
ولم تمضِ أيام حتى سربت مصادر «إسرائيلية» خبر وفاة مزعومة لمحمود عباس رئيس السلطة!. ما حمل عباس الأربعاء 6 يناير/كانون الثاني على إلقاء خطاب غير مقرر في بيت لحم، أعلن فيه التمسك باستمرار السلطة كإنجاز «لن نتخلى عنه.. ولا تحلموا بانهيار السلطة».
واقع الأمر أن مجرد ترديد هذه التوقعات أو التحذيرات من طرف حكومة نتنياهو، يُراد به الإيحاء أن السلطة كيان هش قابل للسقوط في أي وقت. وأنه لا يمكن تبعاً لذلك المراهنة عليها، أو اعتبارها طرفاً متماسكاً يُعتدّ به. وهذا بالتالي شكل من أشكال الضغوط السياسية والمعنوية على السلطة، التي تتعرض في الوقت ذاته إلى نقد مرير من الشارع لعدم قدرتها على التجاوب مع متطلبات إطلاق هبة مدنية. وأكثر من ذلك فإن حكومة الاحتلال لا تترك فرصة دون استغلالها من أجل التضييق على السلطة ونزع أي هيبة عنها في أنظار جمهورها. وبينما ترغب سلطات الاحتلال بأن يقتصر دور السلطة على تقديم خدمات أمنية لها، فإن هذه السلطات لا ترعوي عن مباشرة التعديات الجسيمة في مناطق السلطة.. وقبل أسابيع اقترب جنود الاحتلال من محيط منزل محمود عباس، وقد تم صدهم، فيما أبدى نتنياهو بعدئذ اعتذاره لعباس. وباستثناء التراجع عن هذا التعدي، فإن سلطات الاحتلال تمارس بكل صلافة مختلف أشكال القمع الدموي واستباحة الأماكن الإسلامية المقدسة، مع استغلال كامل لانشغال العالم بالأوضاع الملتهبة في سوريا وليبيا واليمن.
لقد كان متوقعاً أن يبدي محمود عباس تمسكه بوجود السلطة، علماً أن مسؤولين فلسطينيين لطالما لوّحوا من قبل بخيار حل السلطة كوسيلة ضغط على الاحتلال. وهو مجرد خيار قد يبدو جذاباً نظرياً من منظور راديكالي، لكنه على أرض الواقع قد لا يؤدي إلا إلى إثارة فوضى عارمة وتعطل خدمات أساسية وغياب مرجعيات إدارية.. إلى آخره. إن مؤشرات الواقع تدل على أن أي غياب لهذا الكيان القانوني سيحرم الفلسطينيين من كيان يمثلهم أياً كانت عيوب هذا الكيان، أو نقاط ضعفه. وسيؤدي إلى مشكلات واقعية كبيرة مثل انقطاع الموارد عن الإدارات والمرافق الحيوية وحرمان مئات الآلاف من جواز السفر الذي تمنحه السلطة لأبناء الضفة الغربية وقطاع غزة.

ولا شك أنه سوف يصعب على مدى أبعد من الظرف الراهن القبول بأن يقتصر دور السلطة على أداء خدمات حياتية، وعلى تأمين رواتب وأجور لعشرات الآلاف من العاملين، فيما تتشدد سلطات الاحتلال في إرساء واقع على الأرض يفيد بأن لا ولاية للسلطة على البلاد أو العباد من قريب أو بعيد..

والأسوأ من ذلك هو أن سلطات الاحتلال قد عمدت إلى إحياء ما تسميه إدارة مدنية في الضفة الغربية. وهي إدارة عسكرية تمثل حكم الاحتلال العسكري للضفة الغربية. وتتولى هذه الإدارة إصدار القرارات التي تنظم بعض أوجه حياة الرازحين تحت الاحتلال في الضفة الغربية فيما تعتبر القدس منطقة «إسرائيلية»، وتسوغ هذه الإدارة وجودها واستمرارها بالبُعد الأمني الذي قد ينطوي عليه أي نشاط من أي نوع، ونظراً للصلاحيات التي لم يطرأ عليها تغيير في المنطقة المُعرّفة «بي وسي» فإن سلطات الاحتلال لا تستأذن أحداً في القيام بمداهمات أو اعتقالات أو الاستيلاء على ممتلكات لأشخاص أو مؤسسات.
حسناً من حيث المبدأ أن يتم التمسك بكيان السلطة، وألا يتم التضحية به، على أن يقترن ذلك برفض التقييدات التي يفرضها الاحتلال، والتي تكبّل السلطة.. ولو أن رئاسة السلطة شنت حملة من أجل أن يتمتع كيانها بالولاية الكاملة على المناطق المتفق عليها، وعلى حق التواصل الاقتصادي المباشر مع العالم الخارجي، لوجدت من يؤيدها ويدعمها في الداخل والخارج، لكنها سلطة مشلولة وقد تعايشت كما يبدو مع هذا الشلل، وأصبح مجرد البقاء الشكلي لقيادتها غاية الإرب.. ما يشجع المحتلين على محاولة حرمان الطرف الآخر، حتى من هذا الوجود الرمزي.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"