نتنياهو يبتلع الصدمة

03:26 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

فوجئ رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو بتراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن توجيه ضربات جوية لأهداف في إيران بعد أن انتظر هذه اللحظة ليؤكد لناخبيه أن حليفه في البيت الأبيض يضطلع بمهمة لحسابه. لكن حسابات نتنياهو الانتخابية لا تتوافق مع حسابات ترامب الانتخابية والسياسية أيضاً، وقد اعلن ترشيحه لولاية ثانية.
وقد حضه مساعداه الصقران، وهما الوزير بومبيو ومستشاره جون بولتون، على الرد العسكري على إيران، لكن الجيش الأمريكي عارض الفكرة حتى لا يتورط في موقعة قد تتحول إلى حرب شاملة لا يمكن السيطرة عليها. نتنياهو الذي أقنع ترامب بالتنصل من الاتفاق النووي مع إيران كان يمني النفس بهجمات أمريكية تشعل المنطقة البعيدة عنه، وتشكل رافعة انتخابية له بعد أن فقد بريق التلميع الذي سبق الانتخابات السابقة، وأسهم فيه ترامب بعدة لفتات سياسية، وأسهم معه الرئيس الروسي بوتين أيضاً، حيث إن الأخير يحاول كسب ود «إسرائيل» لضمان نفوذه في سوريا، وعدم إزعاجه هناك.
ولعل اللقاء الأمني الثلاثي بين جون بولتون ومساعد وزير الخارجية الروسي بيتروشيف ونتنياهو جاء في نطاق دعم الأخير من جهة، وإيجاد أرضية للتفاهم حول الوجود الروسي في سوريا مع أخذ ضمانات من «إسرائيل» والولايات المتحدة بالاعتراف بشرعية الرئيس الأسد مقابل إبعاد إيران وحلفائها عن هضبة الجولان.
وقد طمأن بولتون نتنياهو بأن الجيش الأمريكي ما زال مستعداً لضرب إيران أو مثلما قال ترامب: أُرجئت العملية، ولكن لم تُلغَ، حيث نشط ترامب في تجييش الدول لحماية ناقلاتها في الخليج، وكأنه يعترف بأنه عاجز عن تنفيذ المهمة وحده.
عملياً تريد «إسرائيل» تصدير أزمتها مع إيران إلى روسيا وأمريكا مثلما تريد تصدير صراعها مع الفلسطينيين عبر صفقة القرن إلى الدول العربية، لتحلها بعيداً عنها. ألم يذهب نتنياهو إلى الكونغرس سنة 2003 ليحرض على العراق، ويزعم أنه يمتلك سلاحاً نووياً وأسلحة دمار شامل، وتبين كذب الادعاء!
بولتون حاول ترضية «إسرائيل» بجولة في منطقة الأغوار في الضفة الغربية، وكأنه يدعم حملة نتنياهو الانتخابية بتأييده عدم الانسحاب من هناك، وكان نتنياهو في الجولة أكد أن قواته لن تنسحب من تلك المنطقة التي تشكل ربع مساحة الضفة لأسباب أمنية، ورد بولتون بالقول، إن الرئيس ترامب سيأخذ المخاوف الأمنية «الإسرائيلية» بعين الاعتبار، وهذا يعتبر إنجازاً انتخابياً لنتنياهو.
الغريب أن نتنياهو هاجم لأول مرة الرفض الفلسطيني لصفقة القرن، وقال كيف يرفضون خطة لم يُكشف عنها. وهذا كلام أجوف، لا يقوله إلا متغطرس، فإذا كان بولتون يؤيد موقف نتنياهو من الأغوار، والسفير الأمريكي المستوطن ديفيد فريدمان والمبعوث الأمريكي المستوطن جرينبلات يؤكدان أن من حق «إسرائيل» ضم المستوطنات وأجزاء من المنطقة «سي» والقدس، فما الذي يتبقى للتفاوض عليه؟
ترامب هجر اللجوء لاستخدام القوة ضد إيران، وتراجع عن سياسة حافة الهاوية في صراعه مع كوريا الشمالية، وفضل استخدام العقوبات على الرغم من التفاوض بينهما، وهو يلجأ للعقوبات الاقتصادية عادة مع بكين وموسكو وغيرهما، لأنه رجل «بيزنس»، كما استخدم السلاح المالي أولاً لحصار السلطة الفلسطينية، وحجب عنها المساعدات، ثم حاول منع دول أخرى من دعم الفلسطينيين ووكالة غوث اللاجئين.
عملياً جاء اللقاء الأمني الثلاثي الذي وصفه نتنياهو بالقمة على الرغم من تواضع المشاركين في سياق الدعم المزدوج لموسكو وواشنطن لنتنياهو، لأنه معرض لخسارة الانتخابات ثانية، من حيث عدم قدرته على تشكيل حكومة جديدة حتى لو حصل على أعلى الأصوات، ذلك أن غريمه ليبرمان من المتوقع أن يضاعف قوته، مستنداً إلى الصوت الروسي.
يحتاج نتنياهو إلى معجزة خارجية أو داخلية لإنقاذ نفسه من تبعات السقوط المرجح في الانتخابات، حتى إنه بدأ يبحث في إعادة توحيد أحزاب اليمين الصغيرة، لضمها إليه مع أنه هو الذي بادر إلى تفريخ أحزاب صغيرة قبل الانتخابات الأخيرة لاصطياد كل أصوات اليمين لكنه فشل، والآن يحاول العكس لدعم الليكود، خاصة مع تنامي قوة ليبرمان في استطلاعات الرأي، وعودة الأحزاب العربية إلى القائمة المشتركة بعد أن فقدت ثلاثة مقاعد، حيث كان تمثيلها 13 مقعداً في القائمة المشتركة، وتراجع إلى عشرة مقاعد عندما تفككت القائمة، وصوت ربع الناخبين العرب لقوائم يهودية، ومن المرجح أن تحصد أكثر من 14 مقعداً في الانتخابات المقبلة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"