نحو حرب نجوم جديدة

02:43 صباحا
قراءة 4 دقائق
الحسين الزاوي

طموح الولايات المتحدة أن تظل القوة العسكرية الكبرى، وربما الوحيدة في العالم التي تمتلك إمكانات تكنولوجية خارقة، مازال يوجّه حتى الآن الاستراتيجية العسكرية والعقيدة القتالية لواشنطن، حيث إنه ومنذ إطلاق الرئيس السابق رونالد ريغان لمبادرة الدفاع الاستراتيجي المشهورة إعلامياً بحرب النجوم سنة 1983، ما زالت الولايات المتحدة تصرّ على مواصلة سياستها الدفاعية ذاتها من خلال العمل على تطوير برامجها المتعلقة بعسكرة الفضاء. لقد كان الهدف الأساسي من وراء هذا البرنامج الذي أطلقه ريغان هو إنجاز منظومة دفاعية فعالة قادرة على حماية الأراضي الأمريكية من التهديد النووي، من خلال استعمال الفضاء الخارجي لأغراض عسكرية، وقد أدى هذا التصور على المستويين النظري والتخطيطي إلى إحداث انقلاب في مبادئ التفكير الاستراتيجي السوفييتي، وإلى بروز مخاوف أمنية كبيرة لدى المعسكر الشرقي، الذي لم يكن يمتلك آنذاك الإمكانات الاقتصادية والتقنية من أجل الدخول في سباق تسلح جديد في الفضاء. وبالتالي فقد بدت هذه المواجهة الجديدة في حينها، كأنها ستقلب الموازين التقليدية السائدة المعتمدة على مفهوم الردع النووي، وعلى ما كان يوصف في التحليلات الاستراتيجية بتوازن الرعب بين المعسكرين.
ويمكن القول إن الاتهام الذي وجهته واشنطن مؤخراً، إلى كل من روسيا والصين، من خلال زعمها أنهما تسعيان إلى تطوير أسلحة قادرة على تدمير الأقمار الصناعية الأمريكية، يهدف بالدرجة الأولى إلى دفع الإدارة الأمريكية المقبلة إلى إعادة التركيز على برنامج التسلح الفضائي الذي لم تتوقف الولايات المتحدة عن تطويره خلال كل السنوات الماضية. لاسيما وأن الولايات المتحدة تمتلك الآن أكبر شبكة أقمار صناعية في العالم، بل ويرى المراقبون أنها باتت تمتلك القدرات التكنولوجية التي تسمح لها بإعادة تعويض كل أقمارها المنتشرة في الفضاء، بأقمار أخرى جديدة في حال تدميرها من طرف قوات معادية في أقل من 48 ساعة. ويدل كل ذلك على أن واشنطن مصرّة أكثر من أي وقت مضى على المحافظة على مكانتها العسكرية المتفوقة، بوصفها تمثل أكبر قوة عالمية، من خلال سعيها الحثيث إلى تطوير كل البرامج الهادفة إلى السيطرة على الفضاء الخارجي، وذلك ما يدفع قادة «البنتاغون» إلى الحديث باستمرار عن التهديدين الروسي و الصيني، من أجل دفع السياسيين إلى استثمار مزيد من الأموال في سبيل تطوير وتجسيد الخطط الأمريكية الهادفة إلى عسكرة الفضاء.
وقد أكد الجانب الروسي من جهته، أنه لا يحمل التصريحات الأمريكية، التي تتحدث عن وجود تهديدات فضائية روسية -صينية، على محمل الجد؛ خاصة أنه يرى أن الولايات المتحدة تعرقل المبادرات الروسية والصينية الساعية إلى منع انتشار سباق التسلح في الفضاء. حيث أكد مسؤولون روس في السياق نفسه، أن موسكو وبكين طرحتا منذ سنة 2008 على مؤتمر جنيف لنزع السلاح مشروعاً مشتركاً، يدعو إلى إبرام معاهدة دولية تمنع انتشار الأسلحة في الفضاء المحيط بالكرة الأرضية، ويحرِّم بالتالي استخدام القوة اتجاه المواقع الفضائية، من دون أن يلقى هذا المشروع ترحيباً من قبل واشنطن. وعليه فإن الخبراء الروس، ما زالوا يعتقدون أن تبني مشروع هذه المعاهدة كان من شأنه أن يفضي إلى تحقيق أمن عالمي بشأن كل ما يتعلق بالأقمار الصناعية الدولية، من خلال اعتماد استراتيجية دولية شاملة تهدف إلى منع انتشار الأسلحة في الفضاء.
ويأتي الحديث الأمريكي عن التهديد الروسي -الصيني، في ظل إصرار واشنطن على مواصلة تطوير برنامجها المتعلق بالدرع الصاروخية، ومن خلال العمل على نشر منظومات أقمار صناعية هجومية قادرة على تغيير مواقعها بكل سهولة، وقادرة في اللحظة نفسها على استعمال أسلحة مدمرة غير تقليدية، مثل سلاح الليزر، أو أسلحة حاملة لمدافع تعمل بالطاقة الحركية، إضافة إلى أسلحة أخرى تعتمد على تقنيات جديدة ذات صلة وثيقة بما كان يسمى منذ البداية ببرنامج حرب النجوم؛ الذي كان يهدف في الأساس إلى القضاء على منظومات الاتصال الخاصة بالعدو، وفي مقدمها الأقمار الصناعية الروسية، ومن ثم فإن هذا السلوك الأمريكي المراوغ، ينطبق عليه إلى حد كبير، المثل الدارج والقائل: «ضربني وبكى وسبقني واشتكى». وذلك في واقع الأمر هو ديدن السياسة الخارجية الأمريكية أثناء الحرب الباردة وبعدها، والقائمة على توجيه أنظار الشعب الأمريكي نحو الخارج، وعلى افتعال أخطار خارجية من أجل مواصلة ابتزازه، في هذه المرحلة التاريخية الفارقة التي باتت تواجه فيها الدولة الأمريكية تحديات خطرة على مستوى تماسك جبهتها الداخلية نتيجة للتهديدات المستمرة التي ما فتئ يشكلها اليمين المتطرف.
ومن الواضح في كل الأحوال، أن الولايات المتحدة تهدف من خلال حديثها عن التهديدات التي تواجهها الأقمار الصناعية الأمريكية، إلى التغطية على تحركاتها الاستفزازية ضد بكين في منطقة بحر الصين، وتسعى في السياق نفسه، إلى تبرير تواجدها في المنطقة بالقول إنها تريد المحافظة على حرية الملاحة الدولية في هذه المنطقة الاستراتيجية، التي يمر عبرها أكثر من 40 في المائة من المبادلات التجارية العالمية. وعليه فإن سعي الولايات المتحدة إلى الإبقاء على تواجدها العسكري المكثف في هذه المنطقة الحساسة من العالم، نابع من حرصها الذي يصل أحياناً إلى درجة الهوس المرضي، على أن تظل، بناءً على ما أثبتناه في مستهل هذا التحليل، القوة العالمية الكبرى الوحيدة في العالم، حتى إن تطلب ذلك منها افتعال نزاعات إقليمية أو دولية جديدة، وتفجير حرب فضائية غير مسبوقة من حيث نتائجها المدمرة وآثارها الكارثية على البشرية برمتها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"