نيران ترامب الصديقة

03:48 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

الحرب التجارية مثل كل الحروب؛ من السهل أن تبدأ، لكن من الصعب أن تنتهي. نفس القاعدة تقول: إن القادة يشنون الحرب في العادة، ولديهم أهداف محددة، وقد تكون عادلة أو موضوعية. ولكن عندما يفشلون في تحقيقها يصبح الاستمرار والتصعيد السبيل الوحيد أمامهم بدلاً من التراجع المهين. لا يفعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب غير ذلك الآن؛ بدأ حربه التجارية ضد الصين، ولا يمكنه التوقف في منتصف الطريق؛ لأنه لم يحقق أهدافه؛ ولذلك يواصل فرض المزيد من الرسوم الجمركية والإجراءات العقابية دون جدوى.
ثمة قاعدة أخرى في الحرب، تقول: إن هناك دائماً ضحايا يسقطون بالنيران الصديقة التي يصيب بها أحد المتحاربين قواته نفسها أو قوات حليفة. ونيران ترامب كما يقول جون كاسيدي المحلل الاقتصادي في مجلة «نيويوركر» طالت بالفعل قطاعاً مهماً من أوثق حلفائه؛ وهم المزارعون في ولايات الغرب الأوسط. دفع المزارعون المؤيدون لترامب والذين كانوا أحد أسباب فوزه الانتخابي، ثمناً فادحاً للتعريفات الجمركية العالية التي فرضها والتي ردت عليها الصين برسوم مضادة على الصادرات الزراعية الأمريكية قبل أن توقف استيرادها الشهر الماضي.
لم يكن المزارعون هم الطرف الوحيد الذي أصابته نيران ترامب الصديقة. فقد تعرض القطاع الصناعي لخسائر فادحة؛ نتيجة لارتفاع أسعار مكونات الإنتاج القادمة من الصين، وهو ما أدى إلى تراجع المبيعات ومن ثم الأرباح. والأرقام الرسمية المعلنة في بداية الشهر الجاري؛ تشير إلى تراجع مؤشر الإنتاج الصناعي في أغسطس/آب. وقد ضاعف هذا التراجع من حدة المخاوف التي تؤرق الأمريكيين بشأن دخول الاقتصاد مرحلة ركود جديدة. ويعزز تراجع معدل النمو هذا الاحتمال؛ حيث هبط إلى 2% في الربع الثاني، مقابل 3,1% في الربع الأول.
قطاع التكنولوجيا أيضاً كان في مقدمة ضحايا نيران ترامب الصديقة. وقد يشهد كابوساً غير مسبوق، إذا نفذت الصين تهديدها بمنع تصدير ما يُسمى بالعناصر النادرة التي تستخرجها من أرضها، وتدخل في صناعة الرقائق والإلكترونيات والمكونات فائقة التطور ذات الاستخدام المدني والعسكري.
تشير هذه النتائج والاحتمالات كلها إلى أن طريق التصعيد الذي يسلكه ترامب لن يؤدى إلا إلى مزيد من الخسائر. ولن تغنيه تصريحاته العنترية غير الصحيحة عن سهولة إخضاع الصين، وكسب الحرب، ولا عن الأرباح التي يحققها الاقتصاد الأمريكي من الرسوم الجمركية، فكل الأرقام الرسمية تكذب ذلك. ولعله لم ينس البيان المهم الذي أصدرته في يونيو/حزيران الماضي، مئات الشركات والاتحادات العمالية، وحذرت فيه من خسارة مليوني وظيفة، وتراجع الناتج الاقتصادي بنسبة 1%؛ بسبب الرسوم الجمركية الجديدة.
من هنا تبدو نصيحة «نيويورك تايمز» له في محلها؛ عندما قالت: إنه أمام خيارين، إما مواصلة حربه ضد الصين، وإما التركيز على دعم وتنمية الاقتصاد، وليس بوسعه تحقيق الهدفين معاً؛ لكن ماذا لو لم يستوعب ترامب هذه الحكمة، وأصر على عناده؟ الإجابة هذه المرة، تأتي من «واشنطن بوست» التي صاغتها بكلمات بسيطة؛ هي أنه سيخسر معركته الانتخابية العام المقبل، وليس أمامه متسع من الوقت للاختيار.
المأزق الحقيقي الذي يواجهه ترامب هو أنه لا يستطيع إيقاف حربه التجارية هكذا الآن من دون تحقيق أي هدف أو مكسب حقيقي.
وفي نفس الوقت لا يمكنه مواصلتها بينما تتسبب في نزيف حاد للاقتصاد ولفرصه الانتخابية معاً. المخرج الوحيد في هذه الحالة هو أن يلتقي مع الصين في منتصف الطريق خلال المباحثات القادمة، فيعلن إلغاء بعض الزيادات في الرسوم الجمركية، وتخفيف القيود على شركة «هواوي» الصينية، مقابل زيادة بكين لوارداتها من أمريكا، لاسيما الزراعية.
بعد هذه النتيجة سيكون بوسع ترامب تطبيق قاعدة حربية أخرى يلجأ إليها الكثير من القادة، وتقول: عندما تفشل في حسم الحرب توقف عن القتال، وأعلن أنك انتصرت وابدأ الاحتفال. وهذا ما سيفعله.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"