هل انتهت «سياسة البامبو» الصينية؟

01:22 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. عبدالعظيم محمود حنفي

وافق الحزب الشيوعي الصيني في نهاية مؤتمره التاسع عشر ببكين، على مشروع قانون يتبنى فكرة الرئيس الصيني شي جين بينج، حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وبذلك فإن شي، حصل على سلطة قوية تعادل قوة أكبر الزعماء الصينيين السابقين مثل «ماو تسى تونج».
وقال شي جين بينج في كلمته: «إن الاشتراكية الخاصة بالصين، هي التي قادت الصين لتصبح قوة عالمية اقتصادياً، وصارت ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وإنه سيقود الصين إلى العصر الجديد للاشتراكية الصينية»، لكنه من ناحية أخرى، يريد إحكام سيطرة الحزب الشيوعي على الدولة تماماً، فهو يتداخل في جميع مؤسسات الدولة وحتى مع الشركات الخاصة، باعتبار أن «هذه الشركات هي التي تستحوذ على الجزء الأكبر من الموارد المالية، وذلك على حساب الشركات الأكثر حداثة، وطبقاً لصندوق النقد الدولي، فإن الدولة تحتفظ بهذه «الشركات الزومبي» فقط؛ لأن القروض شبه المفتوحة التي تحصل عليها تجاوزت 14% من القروض المقدمة لقطاع الصناعة في عام 2016، مقابل 4% عام 2011، ويتم سداد هذه المبالغ عن طريق توسع في الدين العام والخاص، حتى بلغ ما يقرب من 250% من الناتج المحلي.
ويحلل بعض الاقتصاديين الوضع قائلاً: «إذا كانت الدولة قد تأخرت في تحرير الاقتصاد، الذي يعتبر خطوة ضرورية من أجل استعادة التوازن، فذلك يرجع إلى رغبتها في الاستمرار في السيطرة على كل شيء».
إن رغبة الدولة في السيطرة تقودنا إلى الرجوع قليلاً إلى الوراء، فمنذ 20 سنة رحّب الحزب الشيوعي بالثورة العالمية باعتماده سياسة يُطلق عليها اسم «سياسة البامبو»، التي تدعو إلى التمايل مع الريح، بدل التصدي لها والتحطم في النهاية، فجارى الحزب الرياح بتخليه عن التخطيط المركزي، غير أنّه لم يتبنّ الرأسمالية، إلا كأداة تعزز قوة الدولة، ثم تحولت الصين من نموذج خالف السائد إلى نموذج عالمي.
ومن الواضح أن الأزمة المالية الأخيرة شكّلت نقطة تحوّل.
فقد فرح الصينيون بواقع أن الأمريكيين أُجبروا على دعم بنوكهم وشركاتهم الصناعية، مثل جنرال موتورز. حتى قبل الأزمة، شعر الصينيون أن رياح التاريخ تهب باتجاههم، فقد أظهرت تجربة روسيا مع «سياسة عدم التدخل الاقتصادية» فشلاً ذريعاً، وبدأت المشاكل المالية تظهر بانتظام. في خضم هذه الفوضى نجحت الصين في الجمع بين معدّل النمو الجيد، والاستقرار الاجتماعي. واليوم، تستخدم 2.3 بليون دولار من الاحتياطيات الأجنبية لمساعدة الولايات المتحدة على دعم إسرافها.
وقد اشتدت قبضة الدولة على مختلف القطاعات أثناء حكم شي جين بينج، باسم الحاجة للاستقرار، ويشك بعض المختصين بالشأن الصيني، في أن اتجاه الدولة سيتغير بعد أن قام مؤتمر الحزب الشيوعي بتأكيد استمرار سلطة شي جين بينج، وساد بعض الاطمئنان في الغرب بعد الإبقاء على رئيس الوزراء لي كيجيانج، في منصبه لفترة ثانية مدتها خمسة أعوام، واعتبروا بقاءه الأمل في الاستمرار على إصلاحات السوق الحرة، التي يدافع عنها «لي».
لم تركز الاستراتيجية التي تحدث عنها شي جين بينج، على النمو الاقتصادي وحده، لكن ركزت أيضاً على القوة العسكرية وبحلول منتصف القرن الحادي والعشرين، سيتم تطوير القوات المسلحة الصينية بشكل كامل للوصول لمستوى العالمية.
في المقابل تستند الرؤية الاستراتيجية الأمريكية للصين، إلى نظرية تحول القوة التي تنظر إلى النظام الدولي على أنه تسلسل «هرمي» للدول، يتضمن درجات مختلفة من التعاون والمنافسة، و يؤدي اختلاف معدلات النمو، إلى تغير في القوة النسبية بين الدول، ما يؤدي إلى علاقات دولية جديدة، وتكوين كيانات سياسية واقتصادية جديدة. وبناء على حقيقة أن انتقال القوة من الغرب إلى الشرق، يسير بخطى حثيثة قد تؤدي إلى تغيرات على نحو مأساوي في سياق التعامل مع التحديات الدولية، فأغلب دول الغرب على وعي تام بقوة الصين المتنامية.
وفي شهادة أمام مجلس الشيوخ قال رئيس الأركان الأمريكي الجنرال جوزيف دانفورد، إن كوريا الشمالية مسلحة بصواريخ وأسلحة نووية تمثل «تهديداً مباشراً»، في حين أن الصين وروسيا تمثلان أخطاراً محتملة بسبب تعاظم ترسانتيهما النوويتين. ولكن الجنرال اعتبر أنه على المدى الأبعد، الصين هي التي تمثل الخطر الأكثر جدية، بالرغم من قوة روسيا في المجالين النووي والمعلوماتي.
إن القضية الجوهرية التي تعيب العلاقات بين الولايات المتحدة والصين اليوم، تتلخص في الرؤى الاستراتيجية التي يصوغها كل من الطرفين في تفسير نهضة الصين. ويميل الأمريكيون إلى الاعتقاد بأن ما يفيد أمريكا، فلا بد أنه يفيد العالم ككل، لكن الصين والعديد من بلدان العالم، قد لا تتفق مع الأمريكيين في اعتقادهم هذا.
أصبح شي جين بينج حريصاً الآن، أكثر من أي وقت مضى، على إنجاح مشروع طريق الحرير، ذلك المشروع العملاق الذي يعتبر بمثابة رأس الحربة بالنسبة للصين في غزوها للساحة الدولية، والذي يتمثل في إقامة مشاريع بنية تحتية فيما يقرب من ستين دولة، فقد أُدرج أيضاً في لوائح الحزب.

باحث وأكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"