هل بدأت الحرب العالمية التجارية؟

04:13 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.غسان العزي

في منتصف الشهر الماضي نفذ الرئيس ترامب تهديده؛ بزيادة الرسوم الجمركية على واردات الحديد والصلب (25٪) والألمنيوم (10٪)؛ ما تسبب بموجة من الاعتراضات والتنديدات العالمية، من قبل الحلفاء قبل الخصوم.
جاءت خطوة ترامب في وقت تشهد فيه العلاقات بين ضفتي الأطلسي توتراً ملحوظاً منذ انتخابه؛ بسبب قرارات اتخذها بالانسحاب من اتفاقية باريس حول المناخ، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والخروج من الاتفاق النووي مع إيران، وصولاً إلى القمة الأخيرة لمجموعة السبع، وتراجعه فجأة عن تأييد البيان المشترك وشتم مضيفه الكندي جاستن ترودو.
التوقعات بشأن عدم قدرة الأوروبيين وغيرهم على خوض حرب تجارية مع الولايات المتحدة باءت بالفشل. فعلى الرغم من انقساماتهم وعجزهم عن اتخاذ القرارات الكبرى فقد وجدوا أنفسهم مضطرين للتوحد في المضمار التجاري على الأقل،فأوروبا التي فشلت إلى اليوم في التوحد سياسياً ودفاعياً حققت إنجاراً غير مسبوق في مجال الوحدة الجمركية والتجارية والنقدية. وألمانيا،الحليفة الأقرب إلى واشنطن، والمتضرر الأكبر من إجراءاتها الجمركية كانت السبّاقة إلى الدعوة للمواجهة.فقد حذرت ميركل بأن الاتحاد الأوروبي سيرد «بشكل ذكي وحازم وموحد».وقال وزير الخارجية الألماني هيكو ماس إن «ردنا على أمريكا أولاً يكمن فقط في أن أوروبا موحدة» وأن «الاتحاد الأوروبي مستعد للرد بطريقة مناسبة وبإجراءات مضادة مناظرة» تم الاتفاق عليها في قمة بروكسل الأخيرة.
وهكذا في بداية الشهر الجاري أطلق الاتحاد الأوروبي هجومه المضاد؛ عبر فرض رسوم جمركية على لائحة طويلة من السلع المنتجة في الولايات المتحدة؛ مثل مواد زراعية (الأرز والذرة والتبغ..) ومنتجات من الحديد والصلب وآليات (دراجات نارية وسفن..) والنسيج. وقالت المفوضة الأوروبية للتجارة سيسيليا مالمستروم إن «القرار الأحادي وغير المبرر للولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية لا يترك لنا أي خيار آخر».
وكانت المكسيك أيضاً قد فرضت رسوماً على الواردات الأمريكية، وتبعتها كندا في بداية الشهر الجاري. ومن جهتها الصين أعلنت بأنها لا تخشى حرباً تجارية مع الولايات المتحدة قبل أن تقرر فرض رسوم جمركية مماثلة من حيث الحجم والكثافة؛ رداً على الولايات المتحدة، ما يعني انخراط أكبر اقتصادين في العالم في حرب تجارية، الأمر الذي سيضر بكليهما معاً على ما ورد في موقع وزارة التجارة الصينية إلكتروني.
لقد بدأت بالفعل ملامح حرب تجارية عالمية يزيد من احتمالها نية ترامب فرض رسوم بنسبة 20٪ على السيارات الأجنبية. ورد الاتحاد الأوروبي بالتحذير من أن صادرات أمريكية بقيمة 294 مليار دولار(أي 19٪ من مجموع الصادرات الأمريكية العام 2017) قد تتعرض عندها لتدابير مضادة. وفي رسالة إلى الإدارة الأمريكية قالت المفوضة الأوروبية للتجارة إنه «في العام 2017 أنتجت شركات أوروبية تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها قرابة 2.9 مليون سيارة أي ما يعادل 26٪ من كامل الإنتاج الأمريكي» وتدعم هذه الشركات 120 ألف وظيفة في الولايات المتحدة، لا سيما في كارولاينا الجنوبية وميسيسيبي وتينيسي؛ وهي ولايات في الجنوب تُعرف بدعمها القوي لترامب.
وتجدر الإشارة إلى أن شركة هارلي دافيدسون قررت نقل مصانع لها إلى أوروبا، التي تشكل السوق الثاني لها بعد الولايات المتحدة؛ وذلك كي تتفادى الرسوم الأوروبية الجديدة؛ ما يعني أنها سوف تسرح المئات من موظفيها في أمريكا. فالرسوم الأوروبية معطوفة على الرسوم الأمريكية على الحديد والصلب والألمنيوم سوف تزيد من كلفة منتجاتها في وقت تعاني فيه تراجع مبيعاتها؛ هذا القرار أغضب الرئيس ترامب، الذي غرد متهماً أصحاب الشركة بأنهم غير وطنيين. ويقع مركز إدارة الشركة في وسكنسون ولاية السناتور الجمهوري بن ساس، الذي قال إن «المشكلة ليست أن هارلي ليس وطنياً؛ ولكن أن الرسوم الجمركية غبية»، والمفارقة أن مدير هذه الشركة كان من أوائل الذين زاروا البيت الأبيض في فبراير/شباط 2017؛ لتهنئة ترامب بالرئاسة مبدياً تأييده للاستراتيجية الصناعية «أمريكا أولاً».
يبدو أن الرئيس ترامب يقف ضد النظام التجاري متعدد الطرف برمته، ويحارب منظمة التجارة العالمية، التي يهدد بالانسحاب منها.
ينقسم المحللون بين من يعد أن قرارات ترامب شعبوية انتخابية عشية الانتخابات النصفية للكونجرس، ومن يرى فيه رجلاً غير عقلاني وعصياً على التوقع.
أمثلة كثيرة في التاريخ تبرهن أن الحمائية ووضع العقبات أمام حرية تنقل الرجال والسلع يؤديان إلى ضرب النمو العالمي. ثلاثينات القرن المنصرم بينت أن الحمائية ساهمت في التحول التراجيدي لأزمة مالية إلى أزمة اقتصادية وسياسية واجتماعية.
هل دخل العالم في أنفاق أزمة مثيلة ؟ لننتظر ما بعد انتخابات الكونجرس في الخريف المقبل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"