هل تتسبب كوريا الشمالية بحرب عالمية ثالثة؟

02:31 صباحا
قراءة 4 دقائق
د.غسان العزي

هذا التساؤل يقض مضاجع زعماء ومراقبين يعتبرون أن الأزمة الكورية هي الأخطر في العالم اليوم وبأن أي خطأ في التقدير من قبل واشنطن أو بيونغ يونغ قد يؤدي إلى الدخول في تصعيد عسكري قد يقود إلى حرب نووية لا تستطيع روسيا والصين البقاء بمنأى عنها. أسبوعية «الإيكونوميست» البريطانية، التي تحظى بالكثير من المصداقية، رسمت، في الخامس من أغسطس/آب الماضي، سيناريوهات كارثية لمثل هذه الحرب التي اعتبرت أنها «باتت ممكنة» في وجود زعيمين متهورين في بيونغ يونغ وواشنطن. ومن جهتها اعتبرت «لوموند» الفرنسية أن الزعيم الكوري الشمالي، الأصغر سناً بين رؤساء الدول (٣٣عاماً)، هو أخطر رجل في هذا العالم، وبأن ترامب يفتقد إلى الخبرة والحكمة.
هذه الهواجس، رغم مبالغتها، تنطلق من حقائق واقعية. فالبرنامجان الصاروخي البالستي والنووي الكوريان الشماليان يتقدمان باطراد منذ وصول كيم جونغ اون إلى السلطة في العام ٢٠١٢. وقد عمد إلى وضع «ضرورة» أن تستحوذ بلاده على السلاح النووي في صلب الدستور باعتباره بوليصة تأمين على حياة نظامه الحديدي، بعد أن كان والده كيم جونغ ايل يود استخدام البرنامج النووي كورقة تفاوضية.
ولكن أين وصل البرنامج النووي الكوري الشمالي؟ في الحقيقة تتضارب المعلومات حتى بين أجهزة الاستخبارات الأمريكية نفسها وتقدم المخابرات الكورية الجنوبية معلومات مقلقة لكن أحداً لا يعرف بالتحديد أكثر من أن بيونغ يونغ نجحت في إخفاء برنامجها عن أعين الأقمار الاصطناعية والمخابرات بأنواعها وبأنها باتت قاب قوسين أو أدنى من الاستحواذ على قدرة تحميل رؤوس نووية لصواريخها البالستية تتخطى بقدراتها التدميرية قنبلتي هيروشيما وناجازاكي. أكثر من ذلك فإن هذه الصواريخ قد تصبح قادرة في وقت قريب على إصابة الأراضي الأمريكية نفسها.

في ٤ و٢٨ يوليو/تموز الماضي أطلقت بيونغ يونغ تجارب على صواريخ بالستية تسببت بتصعيد كلامي خطر مع الإدارة الأمريكية التي هدد رئيسها ترامب ب«غضب ونار» رد عليه كيم جونغ اون بتهديد جزيرة غوام الأمريكية. واجتمع مجلس الأمن قبل أن يصدر القرار الرقم ٢٣٧١ في الخامس من أغسطس/آب المنصرم بالإجماع والذي يفرض عقوبات اقتصادية جديدة على بيونغ يونغ التزمت بها الصين فوراً هذه المرة، وذلك بعد تغريدات من ترامب تحملها تبعات السلوك الكوري الشمالي. هذا القرار هو السابع من نوعه منذ العام ٢٠٠٦ ولكن من دون مفاعيل تذكر. واليوم فإن رد مجلس الأمن على إطلاق صاروخ كوري شمالي فوق إحدى الجزر اليابانية الذي اعتبره «عملاً شائناً» ينبغي التوقف الفوري عنه لأنه يشكل تهديداً لأعضاء مجلس الأمن وللسلم العالمي.. الخ. لن يردع بيونغ يونغ، ولكن ما العمل حيال ذلك؟

قال ترامب مجدداً بأن «كل الخيارات ممكنة» ويعني ضمناً العمل العسكري. لكنها ليست المرة الأولى التي تهدد فيها واشنطن بيونغ يونغ، من دون جدوى، وليست المرة الأولى التي تلمّح فيها لمعادلة العصا والجزرة عبر وزيري دفاعها وخارجيتها اللذين نشرا مقالاً في «وول ستريت جورنال» منذ أسبوعين فيه دعوة للتفاوض ووعد بعدم محاولة تغيير النظام. ففي عهد الرئيس كلينتون استخدمت واشنطن أسلوب الإغراء والتفاوض حتى أن كلينتون استقبل مسؤولين كوريين شماليين كباراً في البيت الأبيض وأرسل وزيرة خارجيته مادلين أولبرايت إلى بيونغ يونغ حيث استقبلت بحفاوة. ولكن في عهد الرئيس بوش عادت الأمور إلى المربع الأول، وفي العام ٢٠٠٦ عادت بيونغ يونغ إلى استفزاز واشنطن.

في ٢٢ أغسطس/آب الماضي أبدى وزير الخارجية الأمريكي ركس تيلرسون رضاه عن ضبط النفس الكوري الشمالي حيال المناورات العسكرية المشتركة بين واشنطن وسيول، التي تعتبرها تهديداً مباشراً لأمنها كونها تدريبات على غزو مفترض لأراضيها. وكانت الصين، مدعومة من روسيا، قد تقدمت باقتراح لواشنطن بوقف هذه المناورات في مقابل وقف كوريا الشمالية تجاربها الصاروخية، ولكنه اقتراح جوبه بالرفض. وبعد أقل من أسبوع على «رضا» تيلرسون عادت بيونغ يونغ إلى هذه التجارب، وهذه المرة على صاروخ متوسط المدى (٢٧٠٠ كلم) حلّق فوق الأراضي اليابانية، للمرة الأولى منذ العام ٢٠٠٩.
كوريا الشمالية تقول إن من حقها حماية نفسها وتدعيم قدراتها الدفاعية وبأنها مجبرة على إطلاق الصواريخ من الجهة الشرقية فوق اليابان ليس بهدف الاستفزاز ولكن لأن البديل هو أن تسقط في الأراضي الروسية أو الصينية.
رغم كل هذه الأجواء التصعيدية فإن قنوات التفاوض تبقى مفتوحة بين بيونغ يونغ وواشنطن عبر مسؤولين صغار من البلدين وبوساطة الصين وروسيا. وهذا ما يدفع إلى الأمل بأن تثمر اتفاقاً ما بعد وقت قد لا يطول، والصين التي شرعت في الضغوط على النظام الكوري الشمالي رغم عدم رغبتها بانهياره الذي يقود إلى سيطرة أمريكية مطلقة على منطقة تعتبرها حديقتها الخلفية، تملك مفاتيح الحل وقد تستخدمها بعد أن وصلت الأمور إلى حافة الهاوية.
لن تكون هناك حرب رغم مخاوف المراقبين، ذلك أن أراضي حلفاء للولايات المتحدة مثل كوريا الجنوبية واليابان، ناهيك عن قواعد أمريكية عديدة، تقع في مرمى النيران الكورية الشمالية. وهؤلاء الحلفاء، قبل غيرهم، لن يقبلوا بأن تصل الأمور إلى حرب تدميرية سيكونون ضحاياها الأوائل المباشرين.
لن تكون هناك حرب عالمية، فإما التعايش مع أزمة عمرها من عمر الحرب الكورية ( التي بالمناسبة لم تنته بمعاهدة صلح بل بمجرد هدنة) ومن تقسيم كوريا في العام ١٩٥٣، وإما المسارعة إلى التفاوض، ولو غير المباشر، توصلاً إلى حل ولو مؤقت ينزع فتيل الانفجار.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"